ظهر المقنع كما يقول ابن الأثير في حوادث سنة تسع وخمسين ومائة بمدينة خراسان، وكان رجلاً اعور قصيراً من أهل مرو يسمى حكيما. وكان قد اتخذ وجها من ذهب فجعله على وجهه لئلا يرى، فسمي المقنع وادعى الألوهية، ولم يظهر ذلك إلى جميع أصحابه. وكان يقول بالتناسخ فيزعم أن الله خلق آدم فتحول في صورته ثم في صورة نوح وهلم جرا إلى أبي مسلم الخراساني، ثم تحول إلى هاشم؛ وهاشم في دعواه هو المقنع. وتبعه خلق كثير من ضلال الناس؛ وكانوا يسجدون له من أي النواحي كانوا؛ واجتمع إليه خلق كثير وظهرت المبيضه ببخاري والصفد معاونين له
وكان يعتقد أن أبا مسلم أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل المهدي إليه أبا النعمان والجنيد وليث بن نصر فحاربوه مرة بعد مرة، ثم انفذ إليه جبرائيل بن يحيى وأخاه يزيد فاشتغلوا بالمبيضة الذين كانوا بنحارى فقاتلوهم أربعة أشهر في مدينة بومجكت فقتل منهم سبعمائة منهزموهم بالمقنع؛ ثم سير المهدي أبا عون لمحاربة المقنع فلم يبالغ في قتاله واستعمل معاذ بن مسلم
وفي سنة إحدى وستين ومائة سار معاذ بن مسلم وجماعة من القواد والعساكر إلى المقنع وأوقعوا بأصحابه وهزموهم، وقصد المنهزمون إلى المقنع بسبام فعمل خندقها وحصنها. ووقع بعد ذلك نفرة بين معاذ واحد القواد وهو سعيد الحرشي فكتب الحرشي إلى المهدي يقع في معاذ ويضمن له الكفاية أن أفراده بحرب المقنع؛ فأجابه المهدي إلى ذلك، فحاصر المقنع وأطال الحصار، فطلب أصحاب حكيم الأمان سراً فأجابهم الحرشي إلى ذلك فخرج نحو ثلاثين ألفاً، وبقي مع المقنع زهاء ألفين من أرباب البصائر. وتحول رجاء بن معاذ وغيره فنزلوا خندق المقنع في أصل القلعة وضايقوه. فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وأهله وسقاهم السم فأتى عليهم، وأمر أن يحرق هو بالنار لئلا يقدر على جثته. وقيل بل احرق كل ما في قلعته من دابة وثوب وغير ذلك؛ ثم قال من احب أن يرتفع معي إلى السماء فليلق نفسه في هذه النار. وألقى بنفسه مع أهله ونسائه وخواصه فاحترقوا. ودخل العسكر القلعة فوجدها خاوية، وكان ذلك مما زاد في افتتان من بقي من أصحابه والذين يسمون المبيضة فيما وراء النهر، إلا انهم يسرون اعتقادهم. وقيل بل شرب هو أيضاً من السم