لقد كان محرماً عليها هناك في سجنها الذهبي حتى النطق باسم برجوليزي. فماتت بسمتها المرحة على شفتيها، وانطفأت شعلة في عينيها كانت متألقة باسمة. وجاءها أخوتها الثلاثة يوماً، وقد أخذ الغضب منهم كل مأخذ، وتطاير شرر التقاليد من أعينهم، وأجهر بوق الأرستقراطية أصواتهم، فتدافعوا إلى خدرها، وهددوها وسيوفهم مشروعة بأنها إن لم تتخذ لها بعلاً كفئا لها استقر السيف في قلب هذا الموسيقي الحقير! فدافعتهم بدورها ولوحت لهم بالقانون منتقماً لحبيبها. فضحكوا؛ فهم حماة الشرف السبينللي؛ ولم تك ليد أن تمتد إليهم إذ ذاك لا أن تمسهم. لقد كان لهم أن يضحكوا؛ فلم يك قولهم إلا حقاً، فما نابلي إذ ذاك إلا مدينة الأشراف؛ ولقد كانوا هم سادة الأشراف!!
ومرت أيام ومضت ليال وجاء أخوتها برجل من أسرة كرافا أثقلته حليه، وجللته عظمته، فأخفت رأسه الفارغ، وكست روحه العارية
لقد كان غنياً أرستقراطياً لا شبهة في ذلك، جاء به أخوتها لترضى به زوجاً؛ ولكن لم تكن ماريا لتفتنها الثروة أو تأخذها الأبهة، وما كانت لتريد رجلاً أياً كان. . . لقد كانت تريد شيئاً غير هذا! شيئاً أجمل من هذا. فخرج الكرافي بوجهه المصقول، وجواهره اللامعة، وتقاليده الرائعة، وانحنى له أخوتها مودعين وقد وضع يده في جيبه بتحسس خاتمه الذي لم يقدر له بعد أن يوضع في مكانه
وأمضت ماريا برفضها الكرافي أمراً القضاء على برجوليزي. ولم تك هناك إلا طريقة واحدة لنقضه. لم يك هناك إلا أن تهب نفسها لله!
فوافق أخوتها. ولأمر ما قرروا أن يرأس برجوليزي العازفين في حفل ترهيها! يا عجباً! برجوليزي يقدم قلبه لله!
وفي الحادي عشر من مارس عام ١٧٣٤ في كنيسة سانتاشيرا رأس برجوليزي العازفين وبدأ الحفل فلوح بعصاه يفتتح قبر قلبه فكان لنقراته على حامل الموسيقى صدى، كأنما هو يؤذن برفع الستار عن إحدى المآسي
ورفع الستار عن مأساة مروعة: عذراء تترهب مقدمة شبابها، جمالها، حياتها، قلبها، إلى نسيج حسن لا يرققه ولا يلطفه إلا الإيمان بالله