للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في علم الأوائل والأواخر) انتهى فيه إلى سنة ٨٠٦؛ وبدار الكتب المصرية نسخة منه مخطوطة في مجلد فرغ كاتبها منها آخر شوال سنة ١٢٩٧هـ نقلها عن النسخة الخطية بخط أبى الحسن علي بن حسن بن علي ابن احمد السروي الأزهري، انتهى من كتابتها في شهر شعبان سنة ٨٧٣ وهي منقولة عن نسخة بخط القاضي محب الدين أبي الفضل محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن الشحنة ولد المؤلف، أتمها كتابة في شهر رمضان من سنة ٨٢٥

وكان عاقلاً ذكياً دمث الأخلاق، حلو النادرة، لطيف المحاضرة، قوى البديهة. قال المقريزي: ولقد قام مقاماً عجز أقرانه عنه، وتعجب أهل زمانه منه، وذلك أن الطاغية تيمورلنك لما استولى على مدينة حلب ٨٠٣ وتسلم قلعتها بالأمان بعد أن استحرَّ القتل والأسر في أهليها، صعد إليها وجلس في إيوانها وطلب القضاة والعلماء لملاقاته فامتثلوا أمره. وكان من عادته أنه إذا فتح مدينة يعقد مجلساً لمناظرة علمائه وإعناتهم، وكأنه يريد أن يريهم أنه على حق في عمله، ويصبغ فظائعه المروعة صبغة شرعية. واتفق هؤلاء العلماء فيما بينهم أن يتولى القاضي ابن الشحنة الإجابة عن الأسئلة التي يوجهها تيمور إليهم ثقة بحذقه وحسن تصرفه. وكان للطاغية إمام من جلَّة المعتزلة هو القاضي عبد الجبار بن عبد الله الخوارزمي الحنفي ولد سنة ٧٧٠ وتوفي سنة ٨٠٥ وكان عالماً قديراً بارعاً متقناً لعلوم الدين واللغة والأدب، يجيد اللغات العربية والفارسية والتركية، وكان ذا ثروة طائلة وجاه عظيم ومنزلة رفيعة لدى تيمورلنك حتى انتهت إليه الرياسة في أصحابه. وكان يصحبه معه في غزواته لمناقشة العلماء ومناظرتهم وليكون حلقة اتصال بالترجمة بينه وبينهم. وقد كان القاضي عبد الجبار رحمة للمسلمين، طالما أنقذهم من غضب الطاغية وسخطه، وأطفأ عنهم نار ثورته وحدته. وكان ربما تبرم من صحبة تيمورلنك في نفسه ولكن لا يسعه مخالفته مع ما يرجو في ذلك من ثواب نفعه للناس لدى هذا الطاغية وكف شره عنهم.

عقد تيمور المجلس وأخذ يوجه إلى العلماء الأسئلة بوساطة إمامه، وابن الشحنة يجيب عنها بلباقة، فكان من ضمن هذه الأسئلة أن قال لهم: أي الطائفتين من القتلى هو الشهيد، أمن قتل منكم أم من قتل منا؟ وقد كان هذا السؤال محرجاً لولا مهارة القاضي ابن الشحنة؛ فقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>