أجاب قائلاً: لقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك فأجاب: فإنه وفد إليه أعرابي وسأله: يا رسول الله، إن الرجل ليقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، فأينا في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو الشهيد في سبيل الله. . . فراق تيمورلنك هذا الجواب وأحسن إلى ابن الشحنة، وأعجب بدهائه وحسن تخلصه ولطف احتياله وسرعة بديهته، وجعل يؤانس العلماء ويلاطفهم، ووعدهم العفو عنهم حتى أفرخ روعهم؛ وأقبلوا يجيبون على أسئلة تيمور بما عندهم، وكان آخر ما سألهم عنه أن قال: ما تقولون في علي ومعاوية ويزيد؟ وما الحكم في قتال علي ومعاوية؟ وهل يجوز لعن معاوية وابنه؟ فأجاب القاضي علم الدين القفصي: محمد بن ناصر الدين محمد بن محمد الدمشقي قائلاً: إن علياًّ اجتهد وأصاب فله أجران، ومعاوية اجتهد وأخطأ فله أجر واحد. فغاظ ذلك الجواب تيمورلنك وأهان العلماء وسبَّ أهل حلب، ورماهم بأنهم يزيدّيون يبغضون أهل البيت وشيعتهم، فتدارك ابن الشحنة الأمر بلطفه وقال: إن القاضي علم الدين أجاب بما وجده في كتاب لم يمعن في معناه والغرض منه. فأعجب ذلك الطاغية، وسكت عنه الغضب. وأجاب القاضي شرف الدين موسى ابن محمد بن محمد قاضي حلب المتوفى سنة ٨٠٣ بأن معاوية لا يجوز لعنه لأنه صحابي؛ فثار الطاغية وسب العلماء، ولولا أن القاضي شفع ذلك بقوله: إنه رأى حاشية على بعض الكتب بأنه يجوز لعن يزيد، ولولا أن الطاغية كان قد وعد بالعفو، ولولا حسن وساطة القاضي ابن الشحنة، للاقى العلماء يومئذ من تيمور شراً مستطيراً
هذا، ولابن الشحنة نثر ونظم ليس عالي الطبقة، بل هو كشعر الكثير من أبناء عصره
ومن ذلك قوله:
كنت بخفض العيش في رفعة ... معتدل القامة ظلي ظليل
فاحدودب الظهر وها أضلعي ... تعدّ والأعين مني تسيل
ومنه:
ساقي المدام دع المدام فكل ما ... في الكأس من وصف المدامة فيكا
فعل المدام ولونها ومذاقها ... في مقلتيك ووجنتيك وفيكا