تَنادَى الملائكة للاجتماع في مسجد الفردوس، فحضر فريق وتخلّف فريق، وكانت حجة من تخلفوا أنهم أبدوا رأيهم في آدم قبل أن يُخَلق، فهم لا يحبون التدخل في أمر مخلوق شرس لا يرضيه إلا أن يكون الوجود منادح شقاق ونضال وصيال. وقد خلقه الله برغم رأيهم فيه، فليصنع الله به ما يشاء. فهو المنتقم وهو الغفور!
ورأى الذين حضروا أن يصلّوا قبل الكلام في قضية آدم، لتزداد نفوسهم صفاءً إلى صفاء، فيسلموا من أوضار التطاول والإسراف، فما يجوز أن يجلس أحدٌ مجلس القضاء إلا بعد الصلاة والقُنوت، وبعد التحرر من شوائب الأهواء!
أحد الملائكة - هل ترون أن يكون لهذه الجلسة رئيس؟
ملك آخر - إنما هلك الآدميون بسبب الرؤساء
ملك ثالث - كنت أحب أن تقول بسبب استبداد الرؤساء أو تناحر الرؤساء، فالرياسة مأخوذة من الرأس، وهو في العرف مجتمع العقل، فمن الواجب أن يكون لكل جماعة رئيس!
- ولكن ما حاجتُنا إلى رئيس؟!
- لينظّم الكلام عند اشتجار الجدال
- لا يحتاج المتكلمون إلى رئيس إلا حين تغلب عليهم شهوة الثرثرة. . . إن وجود الرئيس هو في ذاته شهادة بضعف المجتمع الذي يحتاج إليه، ولو أدّى كل مخلوقٍ واجبَه تأديةً صحيحة لتساوتْ أقدار المخلوقين. ولن تنجح أمة إلا حين يصبح كل فرد من أفرادها وهو مرءوسُ لعقله ورئيسٌ على هواه. وقد حمانا الله من الأهواء فلن نحتاج إلى رئيس. وعلى هذا أرجو أن يدور الكلام بلا ترتيب ولا تنسيق، على أسلوب الغابات لا أسلوب البساتين
- ماذا تريد؟
- أريد أن يكون كلامنا طبيعيّاً على نحو ما تكون الغابة، ولا أريد أن يكون منسَّقاً على نحو ما يكون البستان، فالفطرة في الغابات أقوى من الجمال المصنوع في البساتين
ثم دار الحديث على الصورة آلاتية بلا تمييز بين الآراء:
- أرأيتم كيف صحت فِراستُنا في آدم فعصى ربَّه وغوَى؟
- تريد الرجوع إلى التاريخ القديم يوم حاورنا الله في خلق (آدم)؟