للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أهوائها في سبيل الطاعة له طعم شهيٌّ جداً، فكيف غابت هذه الحقيقة عن آدم؟ وكيف رضى أن يضام بسبب هواه في مسايرة حواء؟ لو كان يملك محو هذه الخطيئة بأي ثمن لكانت روحه أول مبذول ولكنه لا يملك محو ما وقع، وسيؤدي ثمناُ أعظم من الروح، هو سمعته بين سكان الفردوس، فسيشهدون جميعاً أنه مَدين، وأن عقله لم يعصمه من الانحراف عن جادّة الرشاد. وسيرى بعينيه وجوهاً لا تعيش إلا من اغتياب الأحرار، وهو الذي قدّم الزاد لتلك الوجوه الشوهاء

جَلجَلتْ هذه المعاني في صدر آدم فجلس يستريح تحت إحدى الشجيرات وهو يتمنى لو ضَّل الطريق إلى ساحة العدل، وخطرت له فكرة الهرب ولكن إلى أين؟ وهل من عدالة الله مهرَب؟

ثم تشجع فجأة لخاطر جميل طاف بنهاه، فما ذلك الخاطر الجميل؟ تذكر آدم أن الله يعاقب مرة واحدة ثم يصفح لأنه عظيم، أما الذين يعاقبون على الهفوة الواحدة مرات كثيرة فهم صغار الخلائق. وما على آدم بأس من عقوبة تمر وتمضي ثم يواجه أعماله من جديد وقد تطهّر بالعقاب

وقاضي اليوم هو الله، والعدل مضمون مضمون، ولا خوف من التزيد والإسراف، فليمض آدم إلى المحكمة وهو ثابت القدم رابط الجأش، فما في كل وقت تكون المحاكم إلى ذلك الجبار الرءوف. . . وفي أثناء الطريق ثارت نفسه فدمدم:

(إن الله لا يحكم على آثم إلا بعد أن يتيح له اللوف من فرص المتاب. فكيف يعاقبني لأول هفوة تبدُر مني؟)

فهتف هتاف: تأدب يا آدم، واذكر نعمة الله عليك، فما عاجَلك بالعقوبة إن كان سيعاقبك إلا ليؤكد كرامتك الذاتية بين الخلائق

- التعجيل بالعقوبة مزية؟

- مزية عظيمة، لو كنت تعرف

- أحب أن أعرف

- العقوبة حكمٌ لك لا عليك

- لم أفهم شيئاً، أيها الهاتف

<<  <  ج:
ص:  >  >>