واحدة إذا قسمنا الشعراء إلى مدارس كما يقسمهم النقاد الغربيون.
فابن الرومي حس متوفز، وأبو نواس لذة حسية. ومن هنا يتلاقيان، ومن هنا كذلك يفترقان
فابن الرومي يطلب اللذة الحسية لأنه يطلب كل ما يشغل الحس؛ فهو وأبو نواس في هذا متلاقيان
ولكن أبا نواس لم يطلب الحس لغير اللذة، ولم يشغل حسه بغير المتعة، فهو وابن الرومي في هذا مفترقان بل جد مفترقين.
ماذا يبقى من أبي نواس بعد المتعة الحسية؟. . . لا شيء! وماذا يبقى بعد المتعة الحسية في ابن الرومي؟ يبقى الحس كله، ويبقى ابن الرومي كله، وتبقى لنا نفس إنسانية تعرف والآلام والمتع، وتعرف المحاسن ولو لم تستخرج منها اللذات الممتعات؟
فلولا اللذات لما بالى أبو نواس بأن يحس الحياة. ولكن ابن الرومي يحس الحياة ولو لم تكن فيها لذات، لأن الإحساس عنده هو الأصل الأصيل، وليس هو الواسطة التي تنتهي إلى غايات.
أين القرابة بين أبي نواس وبين القلوب الإنسانية في عالم الألم؟ أين الدنيا وراء مجلس الأنس والشراب؟ أين الشمس؟ أين السماء؟ أين الربيع في غير معارض المنادمة وما إليها؟
لكنك تلغي مجالس المنادمة كلها ويبقى ابن الرومي في دنياه غير منقوص الأداة
فهو معك حيث تكون النفس الآدمية، وليس أبو نواس معك في غير مكانه الذي يهواه
وإذا تقابلا في الحان يوماً فهي مقابلة طريق لا تطول، ثم يفترقان!
وعندي بعدما تقدم تعليق على كلمة عجيبة سيق إلى كتابتها الأستاذ توفيق الحكيم وهو في قبضة الأديب (الفلاح) الدكتور زكي مبارك. فقال كلاماً لا يحسن السكوت عليه: فماذا قال؟
قال ما معناه أنه (صعب عليه) لأنه لم يجد في شكري للدكتور طه حسين تلك الرقة التي كان ينتظرها.
وما هي تلك الرقة التي كان ينتظرها؟ لا ادري، ولا اعتقد أن الدكتور طه اهتم بان يدري، أو احتاج إلى رقة الأستاذ توفيق الحكيم التي أوشكت أن تُسيل عبراته؛ لمَ، والله لا ادري. . . وقد ادري ويدري القارئ معي بعد قليل!
فعندي قصة صغيرة اهديها إلى الأستاذ توفيق الحكيم لأنه رجل قصاص يجب أن يخاطب