الدولة الجهنمية، وظلم الضعفاء، واضطهاد العقل والروح من طبقات سيدة لا ضمير لها ولا وازع.
وقد بدا لهم كما بدا لفوتر، أن الدين والعلم والفن قد زيفت لصالح الطبقات الغالبة. بيد أن هنالك فرقاً بين تكييف آلام الحياة في الماضي وبين تكييفه الجديد، وهي آلام تهم حركة (التعبير) فقد كان فرتر القرن الثامن عشر أيضاً يقطع علائقه مع مجتمع العصر وثقافته، ولكن بقيت له اللغة القومية، وكان يقيس خمول المجتمع بمقدار ما يضطرم في صدره من فيض البيان وعنفه، ذلك البيان الذي تلقاه من جيل إلى جيل. وكان يتلقى صلات الماضي البعيد المجيد، كما يتلقى من حاضره ما لم يغشه الفساد. وكان فرتر يرى نفسه في مرآة اللغة القومية النقية المخصبة، فإذا أخرسه الألم، أمدته بما يقول فيما يعاني. وقد بدت هذه اللغة القومية للشاعر الفتي الذي ظهر في نهاية الحرب مهيضة منهوبة، وألفاها طعمة للسادة الخاملين والطبقات الوسطى الراضية المسترقة، قد استحالت على يدهم إلى أداة خاملة خالية من المعاني
ولسنا نجد ما نقوله عن الطابع الشعري، فقد بدا شكله لهذا الجيل الفتي عليه العفاء مثلما بدت ظروف الدولة والمجتمع، وبدا له الجد والوقار كأنهما وضع مجرد منافق والجمال كأنه امتياز وضيع لرفاهة التجار الاغنياء، وان رنين العواطف قد غدا رنين لغط مجرد، أو غدا بلسما مخدرا
وقد اندفع الشعراء الغنائيون الجدد، بعوامل ترجع إلى الأحقاد الاجتماعية وإلى بعض مثل الجمال، سراعا إلى معترك من الفوضى اللفظية والفنية، ونشأ في ذلك المعترك رغم تناقصه مذهب لعبادة القبيح
وبدأ أولئك الغنائيون (المعبرون) بالخروج على كل قواعد النظم والروى وتنسيق العبارات، بل على قواعد اللفظ ذاته، وانتحلوا لأنفسهم لغة خاصة لم تكن اكثر من سلسلة طويلة من الزفرات المتقطعة والغمغمة والصياح، قد ضحى فيها اختياراً بكل منطق خارجي، وكل جمال ونبل في اللفظ، ويستحيل علينا أن نقدم هنا أمثلة، مثلما يستحيل علينا أن نترجم كتابات الفرنسيين أنصار الحقيقة المغرقة، أو شعراء اكسفورد المحدثين. ونضطر أن نحيل القارئ إلى الشعراء والكتاب الذين سبق ذكرهم. ففي هذا الضرب من