وأحسنها نظاماً إلى بلد يمزقه الجوع والحرب الأهلية، وقد بينا أن حركة التعبير إنما كانت ثمرة لما وقعبألمانيا من تحطيم جميع الملكيات والضمانات وانهيار الطبقات، وتحطم جميع مثلها الوطيدة، وهي ريح لم يقف عصفها بالجندي المحارب، ولكنها شملت جميع السكان قاطبة. كذلك كانت هذه المصائب سببا في حمل جميع الطبقات خلال هذه الأعوام، على الاهتمام بالدين والفلسفة والسياسة. ولما أن ثقلت هموم الحياة، لم يبق للفن سوى القليل، وهذا هو السر في كون هذه الصورة التي قدمناها من قبل تبدو ضئيلة عجفاء، كذلك الحركة العلمية عانت من هذه الظروف، فقد كانت من قبل تجد في ألمانيا تحت تصرفها احسن القوى، ولكن أولئك الرجال ألفوا أنفسهم عندئذ يواجهون تلك المسائل الفكرية والسياسية التي لا تدع بعد مجالا للعمل الهادئ المنظم، وغدا من الضروري قبل أن يستأنفوا عمل الجيل القديم ويسيروا به أن ينظموا أراءهم العلمية وأن يجربوها من جديد. كذلك تطور كثير مما يتلقاه الطالب في الجامعة من العلم الوضعي ولم يبق ذا أهمية علمية فقط، بل غدا أيضاً ضروريا لمعالجة المسائل الماسة التي أتى بها الحاضر. صحيح أن الألماني الفتى كان يهضم العلم كما كان يهضمه من قبل، ولكن لا ليسير في البناء بادئ بدء، بل ليجد لنفسه مكانه الخاص في ذلك المعترك الفكري
كانت تقوم في كل مكان جماعات عاملة تضطرم جميعاً بهذه المسائل التي لا نهاية لها؛ واقترنت بقيامها حركة أدبية معينة؛ كذلك لا يكاد يوجد اليوم في فرنسا أو إنكلترا كاتب كبير لم يشترك بكتاب وضع أو أكثر في معالجة المسائل التي شغلت ذلك العصر. كذلك اشترك جميع الكتاب الألمان الذين ظهروا قبل الحرب بهذه الوسيلة في معالجة مسائل ما بعد الحرب؛ وكان ذلك نذير التجدد والفتوة. كذلك تحول كثير من هؤلاء الكتاب من روائيين متشككين إلى نوع من العطف والاشتراك في الشعور مع معاصريهم ونذكر بعض هؤلاء؛ فقد عنى (هرمان هيسه) مثلا بمشكلة الشباب وعنى (يعقوب فاسرمان) بجموح الطبقات الوسطى الجديدة وغطرستها وعنى (اوتوفلاكه) بأزمة الزواج، وعنيت (ريكاردا هوخ) بشرح صور الإخلاص والتصوف الألماني بطريقة جديدة. واخرج توماس مان، القصصي الشهير ما قبل الحرب، عددا من القصص الصغيرة التي لا موضع للكلام عنها هنا، وهي في مستوى إنتاجه قبل الحرب. بيد انه إلى جانب ذلك تحدث إلى أمته حديث