العلاء، وأن أحداً من القارئين لم يجهل هذا، ولا يسحن بأحد أن يرمي أحداً بجْهله. فهذا تحصيل حاصل مفروغ منه، وليس أدعي إلى الدهشة من مجازف يجترئ على توكيده. . . ولكننا إذا تكلمنا عن الآثار الأدبية التي تتخذ من الرحلة بين الجنة والنار موضوعاً لها، فهذا كلام آخر يجمل به أن يصغي إليه؛ وإذا جمعنا بين المعري ولوسيان في هذا الصدد فذلك مبحث يصح النظر فيه والاستفادة منه؛ أما أن يتربع متربع على كرسي الفتاوى ليحدث قراءه بوجود السماء والأرض والملائكة والشياطين قبل الكتابة عنهم والرحلة إليهم، أو بوجود لندن وبرلين قبل كتب السياحة والرحالين، فلا يستغرب أن يجترئ بعض القراء، ويا له من اجتراء، فيزحزح له كرسيه قليلاً إلى الوراء!
بل لا نظن أن القارئ يكتفي بزحزحة الكرسي قليلاً إلى الوراء إذا كان ممن يعلمون أن (العقاد) قد سبق إلى كتابة هذا، فقال قبل عشرين سنة عن رحلة أبي العلاء:(أي شيء من هذه الأشياء لم يكن من قبل ذلك معروفاً موصوفاً؟ وأي خبر من أخبار الجنة المذكورة لم يكن في عصره معهوداً للناس مألوفاً؟ كل أولئك كان عندهم من حقائق الأخبار ووقائع العيان. . .)
ثم قال:(فهي رحلة قديمة كما قلنا ولكنه أعادها علينا كأنه قد خطا خطواتها بقدميه وروى لنا أحاديثها كأنما هو الذي ابتدعها أول مرة. . .)
ومن يدري؟ فقد يكون من اجتراء العقاد أنه اختلس هذه الحقيقة قبل عشرين سنة، ولم ينتظر الإذن قبل اجترائه على الاختلاس والإدعاء!
ولا شك أن (المندورين) في هذا البلد كثيرون مع اختلاف في الأسماء والعناوين. . . فمنهم ذلك الذي تسمي في إحدى المجلات باسم (مصطفى) ليستر ما في مقاله من سوء النية وهو يتكلم عن النبي العربي، ويتميز غيظاً لأننا عرضنا لتعدد زوجات النبي في كتابنا (عبقرية محمد) فرددنا أسبابه إلى مصلحة الدعوة الإسلامية ولم نتخذ منه ذريعة لتلويث السمعة كما فعل المتعصبون من المبشرين والمستشرقين. وليس هذا بالعلم ولا بالمنطق في رأي أذناب الاشتراكية الرعناء. . . إنما العلم والمنطق أن تلوث كل عظيم في تاريخ بني الإنسان، لأن مقاصد الاشتراكية الرعناء لا تستقيم لأصحابها وفي الدنيا عظمة شريفة تستحق التبجيل والولاء. وكفى بحقارة مذهب لا يستقيم إلا بتلويث كل عظيم!