ثم تعرض مقروءاتك من بعيد وقريب فيتراءى لك من بينها اسم (فرتر) الذي لا ينساه طويلاً من عرفه بعض حين
أي نعم هو (فرتر) بعينه. . . هو فرتر لا مراء
أفمعنى ذلك أن رواية الحب الضائع تشابه رواية فرتر في وقائعها؟
أفمعناه أنها تشابهها في سياقها أو أسلوب كتابتها أو طريقة في فن القصص أو مواقف الأبطال الموصوفين فيها؟
كلا. لا تشابه من هذا القبيل بين الروايتين، وكل ما بينهما من التشابه أنهما تتحدثان لنا عن حب يائس انتهى بامرأتين صديقتين إلى الموت. وهذا في الحقيقة موضوع عام تشترك فيه روايات لا تحصى، ثم لا تذكرك واحدة منها بالأخرى
إنما التشابه في جو الطيبة والوداعة الذي يغمر القارئ وهو يتقدم في قراءة الروايتين
وليس هذا كل ما هنالك وكفى!
بل هي طيبة لا تشبه كل طيبة في لبابها، لأنها طيبة جادة تعرف كيف تستسلم وكيف تجمح وكيف تنطوي على نفسها وكيف تقبل الحياة بشرائطها هي لا بشرائط الحياة
وهي كذلك طيبة لا تحسها من مصدر واحد في الرواية، فلا تحسها من الزوجة وحدها ولا من الزوج وحده ولا من الصديقة التي خانت فقتلت نفسها ولا من الأسرة التي فرقها الموت أو جمعتها الشيخوخة والأسى
بل هي طيبة الجو كله، وإن برزت فيه الخيانة كما تبرز الشياطين في حظيرة الملائكة العلويين
وهي طيبة العلاقات والأواصر التي تخلق البيئة وتشمل من فيها، فإذا هم كلهم طيبون يريدون ذلك أو لا يريدون
فتاة تتزوج بخطيبها الذي اختاره لها أهلها وقد فجعتهم الحرب في أعز الأبناء. ثم تحب هذا الزوج وتخلص له وترزق منه صبياً يؤكد هذا الحب بينهما، ثم تساق إلى الأسرة صديقةٌ فجعت في قرينها فيلقاها الزوجان بالحفاوة والمودة والمؤاساة، ثم تنشأ بين الصديقة والزوج علاقة لم يحسبا لها حساباً، وكان ينبغي أن يحسبا لها بعض الحساب، فتهرب الصديقة من خطر الخيانة إلى مكان بعيد، وتعالج المقاومة ما استطاعت حتى تعجز عنها وعن الصبر