هو خطاب جميل، ولكنه ليس في جمال الخطابات التي أتلقاها من الشاعر أحمد العجمي، وإنما يرجع جمالة إلى أنه يؤكد نظرية أخلاقية يَكثُر كلامي عنها في هذه الأحاديث، وأنا لا أَملّ من نقد مسالك في معاملة الأصدقاء
هو إذن خطاب من صديق لا يعرف أدب الصديق مع الصديق، فقد شاء هواه أن يتوهم أن الصداقة تبيحه أن يخاطبني بما لا أحب، كأن الصداقة تعفيه من رعاية الذوق، وكأن المودّة تمنحه التحرر من قيود الآداب
إن في الناس من يتهمني بمحاباة أصدقائي، وإن فيهم من يقول إني أختلق الفرص لأتحدث عن أصدقائي بما يحبون في مقالاتي ومؤلفاتي، وأقول إن تلك التهمة صحيحة وإن هذا القول حق: فأنا أتحيّز لأصدقائي في السر والعلانية، وأحب من يحبهم، وأعادي من يعاديهم. وأنا أنكر على أهل هذا العصر أن يعيبوا تغضي الصديق عن عيوب الصديق، بحجة الحرص على سلامة المجتمع من العيوب
ومن يتعصب لأصدقائنا إذا لم نتعصب لهم؟ وإلى من يطمئنون إذا عرفوا أننا نتّعقب ما يجترحون من هفوات؟
أكتب هذا وقد تلقيت من أحد أصدقائي في بغداد خطاباً يعيب علىّ فيه أن أثبت في كتابَ (ملامح المجتمع العراقي) كلمة في الثناء على السيد عبد القادر الكيلاني، فهل يعرف ذلك الصديق لأيّ غرض أثبتّ تلك الكلمة الطيبة لوجه الله، ولوجه الحق؟
أثبتُّها لأني علمت أن السيد عبد القادر الكيلاني سيحاكم أما المحكمة العسكرية في بغداد، بعد زمن قصير أو طويل، والعراق الذي عرفته وعرفه التاريخ لاُ يصدر حكما إلا بعد سماع أقوال الشهود العدول، وأنا شاهدُ عدل في قضية هذا الرجل، ومن واجبي أن أسارع إلى كلمة الحق فيه، قبل أن يقف في ساحة القضاء. وكتمان الشهادة حيادُ يأباه قضاةُ بغداد
وأقول بصراحة إني كنت أخشى أن يُمنع كتاب (ملامح المجتمع العراقي) من دخول العراق، لأني تحدثت فيه عن رجال تغيّر فيهم رأي العراقيين، ثم ظهر أن العراق لا يرضيه أن يصادر كتاباً أملاه الصدق والإخلاص، وتنزه مؤلفه عن المداجاة والرياء
فهل أَتهم الصديق اللائم الظالم بأن نسبه إلى العراق يحتاج إلى برهان؟