الجيش المرابط في الميادين الفكرية
هو جيش الأدباء الصابرين على مكاره الحياة الأدبية، وهي حياةُ لا يصبر على مصاعبها الثقال، إلا من تقهره الفطرة على الأنس بالأدب في جميع الأحوال
وقد شهد التاريخ واعترف بأن الأمم لا يقام لها ميزان إلا يوم يثبت أن لها حظاً من الروحانية الفكرية والأدبية، لأن الفكر والأدب لا يكونان من أنصبة الشعوب، إلا بعد النضج المنشود في العقول والقلوب
فما بالُ قومٍ يزعمون أن اشتغال بعض المصريين بالشؤون الفكرية والأدبية في هذه الأيام دليلُ على أن مصر لا تشعر شعوراً صحيحاً بالمتاعب الدولية؟
هذا كلامُ قيل في بعض المجلات، وأضيفَ إليه أن فلاناً لا يعيش في زمانه، لأنه نسى أن الدنيا في حرب، فشغل نفسه بالحديث عن الفروق بين رجال الأدب ورجال القضاء
وأقول للمرة الأولى بعد الألف إن الأديب المفكر ليس أجيراً لزمانه، وليس أجيراً للوطن ولا للمجتمع، فمن توهَّم أن الأديب المفكر مسئول أمام قوة غير قوة الضمير فهو من أكابر الجاهلين!
نحن نخدم الوطن بأقلامنا خدمةً لا يعرفها المتحذلقون من عبيد الشواغل اليومية، تخدمه صادقين لا كاذبين، ولا ننتظر منه أي جزاء، لأن خدماتنا تجلّ عن الجزاء
وماذا يملك الوطن حتى يكافئ المجاهدين من أرباب الأقلام؟
أيمنحهم الألقاب؟ أيمنحهم الأموال؟
وأيّ لقبِ أفخم من لقب الأديب؟ وأي ثروةِ أعظم من روح الأديب؟
أستغفر الله، وأعتذر إلى الوطن الغالي
فجزاء الأديب من وطنه مضمونُ مضمون، لأن الوطن لا يتحدث بأفراحه وأتراحه إلا الأديب، ولا يجود بسرائره الروحية لغير الأديب، ولأن الوطن يأبى أن يكون أساته من طبقة غير طبقة الأوفياء من الأدباء
خدّام الوطن في غير ميدان الأدب يُجْزَون بالألقاب والأموال، لأن خدماتهم تحتاج إلى تشجيع من ألوان الجزاء، أما خّدام الوطن في ميدان الأدب فهم أعزّ وأشرف من أن تصدهم عن الواجب عوادي النكران والجحود