على نفسه يراقبها ويحقق أغراضها، ويساير ميولها مهما كانت الظروف التي تحيط به. وخير دليل على هذا ما فعله الكاتب العبقري الأستاذ العقاد. . . إذا استطاع في مثل هذا الجو المضطرب بأحاديث الحرب، المرتعش في مهب المقادير. . . أن يبعث من نفسه صوراً حية تتناول أكبر شخصية حية تفخر بها الإنسانية وتعتز بها البشرية. . . أجل إن كتاباً روحياً صادقاً يخرج إلى الحياة في مثل هذه الأيام العجاف لهو كتاب جدير بالتأمل والإعجاب. بل إني لأرى في خروجه في مثل هذه الأيام لحكمة تصور صدق حيوية الأستاذ العقاد. فليس من شك في أنه أراد أن يقدم للإنسانية أروع المعاني الروحية تتألق حيوية في شخص الرسول. . . في زمن جنت فيه العقول، وتكلم لسان الدمار:
قلت: هذا حق يا بني، فكتاب عبقرية محمد كتاب تعتز به العربية في دقة الفهم، وروعة العرض، وسلامة النسج، وإني لأطرب يا بني كلما ذكرت أن في مصر كتاباً يكتبون في سيرة أشرف الخلق. فكم هزني إعجاباً كتاب (محمد المثل الكامل) للأستاذ محمد جاد المولى بك، ففيه تحقيق العالم الخبير، كما غمرني طرباً كتاب (على هامش السيرة) للدكتور طه ففيه سهولة وطلاوة. . . وإني لأنتظر من صديقنا الدكتور مبارك أن يكتب في هذه الناحية الشريفة النبيلة، كما آمل أن يعرج عليها صاحب الرسالة بما عهد فيه من دقة وروعة. ولو سمحت لنا الظروف ولم تقطعنا الشواغل لقمنا بهذا الواجب الروحي الجليل في أقرب فرصة يسمح بها الزمان يا بني. . .
ومن حيوية الفكر يا بني أن يساير الكاتب المجتمع ويلابسه أصدق الملابسة حتى يصيب الهدف ويبلغ الغاية، ويكون مثابة حق ومنار وهداية. وما كان قصور بعض المصلحين إلا من شأن عجزهم عن إدراك معاني الاتزان مع البيئة. فحقيق بالمصلح المتأمل والكاتب الاجتماعي أن يعقد القلب على إدراك أسرار هذا القانون الطبعي، فتتيسر له أسباب الأمور، وتسهل أمامه الصعاب. وإن الأستاذ الجليل الزيات لصورة صادقة لمسايرة الكاتب للمجتمع وأحواله، وما يضطرب فيه من ألم وفرح. فما من مقال له إلا وهو يرمي إلى هدف مقصود، وغاية معلومة؛ وما من رأي له إلا وهو يعالج حالة خاصة، ويدل على مذهب خاص. . . ولعلك يا بني تذكر كيف غلبته حيويته الاجتماعية فتفرد بالكتابة (في عدد