- فان أنا سألت الله ذلك، فطار وأنتم ترونه، أتعلمون إني رسول الله إليكم؟
- أجل: أجل
- أريد أن أناجي ربي، وللمناجاة خلوة فانهضوا عني، وإن شئتم اختليت به وراء الستر ودعوت الله ثم خرجت به اليكم وافي الجناحين
ولما خلا بالطائر أخرج ريشا كان قد هيأه، فأدخل كل ريشة مما كان معه في جوف ريش الحمام المقصوص من عند المقطع - ولما أتم جناحيه خرج به وأرسله على رءوس السامر فرفرف عليهم - فصاحوا معجبين، ونهض منهم خلق كبير، يبايعه ويشهد الله على ما في قلبه، وانفض السامر وقلوبهم شتى، ولكنهم جميعاً أخذوا يفيضون فيما رأوا وما سمعوا.
وفي غداة اليوم التالي دخل مجاعة على مسيلمة، فرآه مشرق الوجه، فما لمحه مسيلمة حتى اندفع إليه قائلاً:
- ماذا كان من أمر القوم بعد ما رأوا الأعاجيب أمس؟
- منهم المصدق ومنه المكذب ومنهم دون ذلك. ولا يخفى عنك أن فيهم من رأى اعجب من آياتك في سياحاته وتجاراته على أيدي الكهان والسحرة وغير هؤلاء.
- وماذا ترى؟ - محمد جاء بقرآن ليعقل به ألسنة العرب ما بقيت في افواههم، وليسلبهم بسحره ألبابهم، ولا أرى إلا أن تصنع كلاماً ككلامه.
- ما أبعد روق الشامخ على الطرف! كلما صعدته إليه ارتد البصر حسيرا، هذا يا صاح يعقد لساني - ولا أكتمك شيئاً - انه جل عن أن يبدعه قلب من لحم، ولسان من عضل، وإنما هو آية كخلق الله تعجبنا وتطربنا، كما تشهدنا على عجزنا.
- ولكن قومك يطلبون منك آية كقرآن محمد، وهم لد الخصام. وما دمت زعمت مشاركته في رسالته - فهات كتابك مثله بيمينك، وإلا عبثت بك العيون.
- حق ما تقول، إذن نحاول، ولكن أين الظهير؟
- ربما تكون العناية قد لحظتنا، فقد قدم علينا صباح اليوم رجل من المدينة على دين محمد حسن السمت، سليم الطوية، قد هم فتيان من العشيرة أن يقتلوه، ولكن استبقيته لعلنا نستفيد منه في أمرنا. فيزعم أنه صاحب الرجل، وقد حفظ كلامه، وقرأ بعينه صفحة جهاده.