هذا الموقف. كنت أقول إني أطلب حياة مستقلة لا تعترض سبيلي فيها امرأة أخرى كائنة من كانت؛ وكنت أذكر مبلغ حنيني إلى هذه المعيشة الحرة التي أنفقت فيها عاميَّ الأخيرين، أغدو وأروح في حرية تامة، وأختار أصدقائي وفق ما أشتهي، وأدبر شئون بيتي بأسلوبي الخاص؛ مستمتعةً بهوايتي، أرسم حيث أريد ومتى أشاء؛ أقضي أوقات فراغي في خمول إن أحببت، أو أدعو أصدقائي إلى تناول الشاي والرقص والحفلات التمثيلية الخاصة، آخذة من كل متعة بنصيب دون أن أجد من يعترض سبيلي أو يقول كلا. . . لست أرى لك ذلك يا عزيزتي.
كنت أرفض رفضاً باتاً كل تدخل - أو تهديد بالتدخل - بيني وبين هذه الحرية النفسية؛ وكنت أرى بالبداهة أن دخول زوجة الأب المنزل إنما هو قضاء عاجل محتوم على كل هذه المناعم والملاذ. . .
ألم أصور لك نفسك في جلاء؟. . . ألم تقولي كل هذا لصديقتك إيدنا فدعتك إلى هجر بيت أبيك والإقامة معها: ترسمين بـ (الباستيل) كما تشتهين، وتكتب هي القصص القصيرة على طريقة (موبسان)؛ فتقضيان حياة بويهمية رائعة؟. . . لست متيقنة من قدرتي على إقناعك بالخطأ الذي بنيت عليه هذا القرار المفاجئ بالرحيل عنّا، وهذا مما يزيدني شفقة عليك وعطفاً. قلت لك إنك أخطأت في الحكم علي، وسأوضح لك ذلك الآن فإن مما يؤلمني كثيراً أنك لم تقدري صعوبة تلك المهمة التي تكلفت بها، ولم تعامليني معاملة تدل على تقديرك لمشاعر المرأة التي تخيرها أبوك زوجة له. كنت قد وطنت نفسي - متى أظلني وإياك سقف بيت واحد - على أن أترك الأمور تسير في مجراها ما وسعني ذلك؛ فلا أتعرض لك في شيء ولا أحول بينك وبين تحقيق رغبة. . . كنت قد وطدت عزيمتي على أن أعاملك كما أعامل أختاً لي صغيرة، على أن أتخلى - مع ذلك - عن حق الأخت الكبرى في التوجيه وإسداء النصح، ما لم تطلبي إليَّ شيئاً من هذا. بل كان يرضيني أن تقومي على شئون المنزل دوني إذا سرك هذا وأرضي أباك؛ وأنت تعلمين مبلغ تضحيتي في ذلك، لأنك تدركين كما أدرك أباك كبرياء المرأة وشدة اعتزازها بالسيطرة على مرافق بيتها. لم أكن أريد أن أنتزع شيئاً من اختصاصاتك إلا ما أوجبه لي حق الزوجية، من ألا تحتفظي بأبيك خالصاً لك من دوني!