للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- كان ذلك لأني كنت في طفولتي وحداثتي من الشياطين، والشياطين لا يلبسون النعال، فطالت قدماي!

- وهنا الشرح لقول العرب (فلان ثابت القدم) فالقدم لا تَثبُت إلا بعد اتصافها بالعَرض والطُّول

- تلك عبارة مجازية

- العبارة المجازية فرعٌ عن العبارة الحقيقية، فالقدم لا تطول إلا بفضل التحرر من القيد. والنعل قيد، وإن زعموا أنه يقي القدمين متاعب الحفاء، وهو يصنع بالأقدام بعض ما تصنع الزهريات بالشجيرات

- أوضحي، يا حمقاء!

- الزهرية حفظتْ عليَّ شكلي الأول، فأنا كما عهدتَ منذ سنين، والمخلوقُ الذي لا يتغَّير ميِّتٌ ميت، لأن الحياة تجدُّدٌ وتغيُّرٌ وتبديل، وذلك حظ أختي التي حُرِّرت من قانون الزهرية فأُلقيت في أحضان الأرض البَرَاحِ بسهول سنتريس

- أوضحي، ثم أوضحي!

- عند التحرر من سجن الزهرية يكون من حق الشجرة أن تساور ما في الأرض من زادٍ طيّب أو خبيث، فتكون لها طعوم مختلفات، ويكون لها في كل يوم لون أو ألوان، وكأنها الأديب الذي يقرأ في لغات مختلفة لحكماء مختلفي الأفكار والأذواق

- أوضحي، أوضحي!

- خلصني أول من سجن القانون

- أي قانون؟

- قانون الزهرية

- ولكن هذا القانون هو الذي حماك من التغير والتلون، وحفظ عليك هذا الشكل الجميل؟

- الجمال الذي لا يتغير ولا يتلون هو جمال التماثيل، وأنا شجرة لا تمثال

- أيجوز أن أساعدكِ على التغيُّر والتلوُّن والتقلُّب؟

- ليكون من حقك أن تقول إنك تتأدب بأدب الله، وهو عز شأنه قد أفتنّ أعظم الافتنان في إبداع الألوف والملايين والبلايين من الملامح المختلفات في اللغات والطباع والأحاسيس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>