للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- لا أجهل، ولكني أخاف عليك عواقب الطول والإبراق

- ما تلك العواقب؟

- أنتِ اليوم في أمان لأنك صغيرة محبوبة، فإذا ضخُمت وطُلت وعَظُمتِ فقد صار من حق كل سفيه أن يرجمك بالحصيات الغلاظ لتجودي عليه بشهي الثمار، أو لينتفع بأوراقك في تغذية الدوابّ

- الشجرة الكريمة تجود بالثمر والورق، قبل السؤال

- هذا كلام في كلام!

- خلَّصني من سجن الزهرية، ثم أختبر أخلاقي في البخل والجود

- أنا أعرفك أنكِ من سلالة بخيلة

- البخل عن إرادة بابٌ من أبواب العقل، ومهما بخلتُ فلن أبخل عليك، فلن يغيب عني أنك تملك إروائي وإظمائي، وإنك قد تصّيرني حَطباً حين تريد، فأنا مقهورةٌ مقهورة على مسايرة هواك

- ما أنت شجرةَ، إن أنتِ إلا روحٌ جريح

- نعم، فقد تقدَّم أترابي وتخلفتُ، بفضل الحياة تحت حماية القوانين

- قولي كلاماً غير هذا، فبفضل قانون الزهرية عشتِ في أمان، من الغربان

- لأني بقيْتُ صغيرة محبوبة أتلقّى التحيات الآدمية في الصباح والمساء؟

- هو ذلك!

- أنت إذن تجهل فرح الدوحة العظيمة بأن يكون عَرَقُها غذاءَ للسمَّال، وبأن يكون أعاليها ملاذاً لكل خائف، وبأن تكون ثمارها منية كل جائع، وبأن تكون عرضة في كل الأوقات لتطاول الأوباش والسفهاء

- وما الموجب لهذه المتاعب؟

- العظمة في جمع الخلائق من جماد ونبات وحيوان وإنسان لا يتصورها الوهم أو الحس أو العقل إلا محفوفة بالمكاره والصعاب. وليست السعادة بالميزان الذي نعرف به الأقدار الصحيحة لمختلف الخلائق، وإنما الميزان الحق هو الشقاء بالخلق وقد سمعت أنه أشرف ما ظفر به الأنبياء

<<  <  ج:
ص:  >  >>