والإنجليز أكثر من خمسة قرون أدركنا أن صورة (العذراء) وهي تحتضن (المسيح) ليست إلا صورة (إيزيس) وهي ترضع (حوريس)
وإذن؟
وإذن تكون مصر هي التي أبدعت فكرة الأمومة في الصور المسيحية. ثم؟
ثم تكون مصر صاحبة الفضل على ما أبدعت صور العذراء من فنون.
عبد القادر لم يلتفت إلى الصورة التي وضعها في الجزء الثاني من كتابه النفيس، لأن الموت صرفه عما يريد أن يقول، أو لأنه أراد أن يترك تفسير المراد من تلك الصورة لأحد أصدقائه الأعزاء
والنتيجة أنه لا توجد صورة للعذراء في شرق أو في غرب إلا وهي مستوحاة من صورة إيزيس وهي ترضع حوريس.
ألم أقل لكم إن مصر هي وطن المعاني؟
من كان يصدق أن مصر هي الوطن الأصيل للصورة التي يخضع لصولتها الفرنسيس والإنجليز والأسبان والطليان والألمان؟
لم يكفر أحد بأقبح مما كفر المصريون، ولم يؤمن أحد بأوثق مما آمن المصريون، لأن مصر هي غاية الغايات في التعصب للكفر والإيمان.
وهل كفرت مصر في أيامها الخوالي حتى نجعل الكفران طوراً من أطوارها في التاريخ؟
إن القول بتعدد الآلهة كان في إحدى مراحل الإنسانية صورة من صور الهداية، وهو لم يصدر عن عناد، وإنما صدر عن يقين، ولله حكمة عالية في تنشئة الإفهام على نظام تنشئة الأبدان. فهو يسمو بها رويداً رويداً بترفق وتلطف، إلى أن تقوى وتستحصد، ثم يتركها لتصارع وتجالد في ميادين الزيغ والارتياب.
وتاريخ مصر يشهد بأنها فطرت على إيثار الجد في تناول المعاني، فكانت في عصر الوثنية أعظم أمم الوثنية، وكانت في عهد النصرانية أول أمة أرخت بمصارع الشهداء، فلما هداها الله إلى الإسلام كانت الحافظة الواعية للأمجاد العربية والإسلامية، ولو قال قائل بأن مصر هي التي وقت العروبة والإسلام من تطاول الغرب وتخاذل الشرق لكان أصدق الصادقين.