اسألوا العلم قبل أن تسألوا التاريخ يحدثكم أن ضياء الشمس في مصر لا نظير له في أي أرض، حتى قيل أنه السبب الأول في كثرة أمراض العيون بهذه البلاد. واسألوا العلم أيضاً يحدثكم أن الخصب في أرض مصر يفعل بأهلها ما لا يفعل الجدب، لأن أبناءها يموتون بالبطنة، على حين يموت غيرهم بالجوع.
فما قولكم في أمة لا تعاني غير كثرة الزاد وقوة الضياء؟
أكتب هذه الفقرة من هذا المقال في منتصف الساعة الخامسة من صباح اليوم الثلاثين من يولية، بعد قضاء نحو ساعتين تحت أزيز الطيارات وضجيج المدافع، وكان القمر - القمر المصري - يغمر الليل بنور وهاج يسمح بنظم الخيط في الإبرة بلا عناء.
أنا لا أبالغ، فقد بدا لي أن أجرب ذلك في قمر هذه الليلة، ولم أفهم كيف تحرم وزارة الوقاية إضاءة المصابيح وقت الغارات في الليالي المقمرات، وهي تعلم أن اللئام المغيرين يهديهم القمر بأقوى مما تهديهم المصابيح؟
وهذا الطيران الذي يهدد مصر بوقاحة ونذالة وسفاهة هو نفسه والطيران المدين أثقل الدين لجو هذه البلاد.
هل نسيتم ما حدثتكم به على صفحات الرسالة قبل عامين؟ كنت حدثتكم أن الطائر المصري المسمى بالحدأة - وهو طير جارح لا ينجبه غير جو مصر، وإن وجد بقلة في بعض الديار الشامية - كنت حدثتكم أن الحدأة هي المعلم الأول لعلم الطيران، وبها استهدى (مويار) المسكين، الذي ظل على سرير الموت ثلاث أيام بإحدى الغرف السطحية في شارع الموسكي بالقاهرة، ولا أنيس لجسمه الميت غير أسراب من الحدأة تراوحه وتغاديه في حسرة والتياع، إلى أن تنبه لموته الجيران
في ليلتي هذه عانت (مصر الجديدة) من صراع الطيارات المغيرة والمدافعة ما عانت، مع أن مصر الجديدة هي الوطن لتمثال مويار، مويار الذي نقل عن (الحدأة المصرية) علم الطيران
فيا رب الأرباب، ما الذي بقى مما طويت عن أوربا من أعاصير الغدر والعقوق؟
إن الأمم الأوربية تحترم حياد الديار السويسرية، فهل تعرفون لأي سبب يحترم ذلك الحياد، في تلك البلاد؟