في عصرية اليوم - وهو الخامس من شهر آب - كنت أهنئ فلانة بعيد ميلادها السعيد، وفي لحظة من لحظات الصفاء حدثتها أني ولدت في مثل هذا اليوم، فهتفت بحماسة مصحوبة بالحنان:
نعم، يا سيدتي، وثمرات الأعناب في شهر آب
ثم قُلقِلتْ نفسي قلقلة عنيفة حين تذكرت أني لا أحتفل بعيد ميلادي كما يحتفل أكثر الناس، وكيف يتيسر ذلك وأنا أخلَق في كل لحظة خلقاً جديداً، باعتبار ما يَرِدُ على عقلي وروحي من شتيت الآراء والأهواء؟
وسألتني عما أستظرف من هدية الميلاد فأبيت الإفصاح عما أريد، وإن كنت أشرت إلى أني معجب بدالية مسلم بن الوليد!
وغفلة فلانة عن مدلول هذه الإشارة لم تزعجني، لأنها قليلة المعرفة بقصائد صريع الغواني!
فما السبب الأصيل لاضطرابي وانزعاجي في هذا المساء؟
لعل السبب يرجع إلى أني قضيت صباحية اليوم بوزارة المعارف، وهي مملوءة بالمراوح، ولتفصيل ذلك أقول:
في مكاتب كبار الموظفين بوزارة المعارف مراوح كهربائية تدور من جانب إلى جانب، ليقلَّ خطرها فيما يقال، وأنا رجلٌ يؤذيه البرد الطبيعي أشد الإيذاء، فكيف يتحمل البرد الصناعي وهو ثقيلٌ ثقيل؟
أنا لا أخاف المراوح الثابتة، لأن تجنب تيارها مستطاع، وإنما أخاف المراوح الدوارة، المراوح التي تغزو الصدور والمفاصل برغم التحرز والاحتراس
وهذه المراوح كثيرة في وزارة المعارف، وأنا منها في شقاء وعناء، ولا سيما المروحة الجاثمة بمكتب تفتيش اللغة العربية، ومن أجل هذا أوصي زائري بمقابلتي في مكتب الأستاذ علي أدهم سكرتير الرجل النبيل شفيق بك غربال، لأنه مكتبٌ مضنونٌ عليه بالمراوح ليساير الطبيعة في أمان