ولكن لوحة صغيرة كانت تُثير جواه حين يدخل ذلك المكتب، لوحة رُقِشَ في صدرها الأبيض هذا البيت:
وإذا دُعيتُ إلى تناسي عهدكم ... ألفيت أحشائي بذاك شِحاحا
ولم يكن بدٌ للقلب المجروح من دواء، وهل يُداويَ القلب المفطور بغير العمل الموصول؟
مرَّ عامٌ وعامٌ وأعوام، وسعدٌ يجاهد في سبيل المجد ليعرف من ردُّوه جاهلين أنهم أضاعوا (جوهرة) لن يرى (الجوهريُّ) مثلها ولو أضاع العمر في البحث والتنقيب
ثم استجاب الله لدعوات الوالدَين الصالحين، فاقترن سعدٌ بِفتاة كريمة العم والخال هي بنت مصطفى باشا فهمي رئيس الوزراء في ذلك العهد، وهي اليوم صفية زغلول أم المصريين، أسبغ الله عليها نعمة الصحة والعافية، إنه قريبٌ مجيب
وجاءت أيام في أثر أيام، وتنقل سعدٌ من حال إلى أحوال، إلى أن نفاه الإنجليز في سنة ١٩١٩ بسبب قضية الاستقلال
ثم سمح الإنجليز بأن يسافر من مالطة إلى باريس ليقنع (مؤتمر السلام) بعدالة القضية المصرية إن استطاع
وعجز سعدٌ وأصحابه عن الوصول إلى قصر فرساي، فرجع إلى مصر وهو آسف غضبان
فماذا رأى بعد الرجوع؟
أقيمت له حفلتان في الحيّ الأزهري، أولاهما في دار البكري، وقد فرح بها فرحاً عظيماً، فقد كان يظن أن خذلانه في الوصول إلى (مؤتمر السلام) قد يصرف عنه قلوب المصريين وفي تلك الحفلة هُتف عند دخول عدلي باشا بعبارة (تحيا وزارة الثقة) وهُتف لسعد باشا بعبارة يحيا (الشيخ سعد)
أما الحفلة الثانية فكانت. . . أين كانت؟
كانت في دار الجوهري، الدار التي ردَّت سعداً خائباً قبل أعوام تزيد على الخمسين
وجرى الهتاف لسعد: (يحيا الشيخ سعد)
والتفت سعد باشا ذات اليمين وذات الشمال، فرأى أنه في أمان من ثرثرة السفهاء، وأن الشيخ القديم لن يغلب الباشا الجديد، وأن من حق الأزهريين أن يفتخروا به مشكورين