وفي خلال إقامته الطويلة في أكسفورد - حيث كان يجلس في ظل شجرة التين التي جاء بها معه من سوريا، والتي لا تزال موجودة إلى الآن، وهي أقدم شجرة من نوعها في إنجلترا - أخرج بوكرك عدداً كبيراً من الكتب المهمة نذكر منها ما يلي:
١ - (نموذج من تاريخ العرب): وهو نصوص من تاريخ أبي الفرج، مردفة بسلسلة من الدراسات المستفيضة عن النواحي المختلفة لتاريخ العرب، وعلومهم، وآدابهم، ودينهم. وهذا الكتاب من أهم آثار المستشرقين، وظل يحيل هذه المنزلة لدى العالم مدة طويلة. طبع في أكسفورد سنة ١٦٤٩ وأعيد طبعه في سنة ١٨٠٦
٢ - لامية العجم: وهي طبعة انتقادية لقصيدة الطغرائي الخالدة، وقد أوقفت بترجمة وشروح وملاحظات، وطبعت في أكسفورد سنة ١٦٦١
٣ - المختصر في تاريخ الدول: وهو النصر الكامل لتاريخ أبي الفرج مع ترجمته.
لقد وسم (بورك) بحياته وأثاره دوراً من أدوار الدراسات الأوربية الشرقية بميسمه، وكان ذا شهرة مستفيضة في زمنه، ويدين له جميع أنحاء العالم الذين خلفوه بدين كبير. وكان العلماء في جميع أنحاء أوربا والشرق يكتبون إليه طالبين المعونة والإرشاد، ويفد إليه العدد الكبير من الطلاب من البلاد القصية - كرومانيا مثلاً - إلى أكسفرد، لدراسة اللغة العربية على يد أعظم أساتذتها الأحياء في أوربا. ولقد وصفه قرينه في معرفة اللغة العربية المستشرق الهولندي كوليوس أستاذ اللغة العربية في جامعة ليدن نفسه بأنه (لا يدانيه أحد في عالم الاستشراق). وقد ترك زيادة على الكتب التي مر ذكرها عدداً من الدراسات الأخرى ومجموعة من (٤٢٠) مخطوطة اقتنتها بعد موته مكتبة أكسفورد ولا تزال هناك حتى الآن، وهي تكون جناحاً ذا قيمة من القسم العربي من تلك المكتبة.
ولقد خلف ستة أبناء كان أكبرهم - واسمه إدوارد بوكرك أيضاً - (١٦٨٤ - ١٧٢٧) قد تابع خطة أبيه واعتنق الدراسات المشرقية، وقام بطبع عدة كتب من ضمنها الطبعة التي لم تكمل لتاريخ مصر لعبد اللطيف، وترجمة لإحدى خوالد ابن طفيل الفلسفية
وعلى ذلك كان القرن السابغ عشر دور تطور عظيم في تاريخ الدراسات العربية في إنجلترا. ويمكن إرجاع سبب الاهتمام الجديد بالدراسات المشرقية إلى عدة عوامل يأتي العامل اللاهوتي في أولها ولا شك، فقد كان من المفهوم في ذلك الحين أن اللغتين العربية