ليست إلا طريقاً من طرق الموت. ثم يذهب من الدنيا وكل ما بقى له فيها حجر من الأحجار، إذا وجد من ينظر فيه وجد من يعرف أنه كان في هذه الدنيا رجل اسمه فلان وهذا قبره
الحياة شيء أسمى من قطع العمر كله في إيجاد قبر من القبور يكون له اسم ولقب وتاريخ. كل منا حين يعتزي يقول عن نفسه كذباً: إنه سوري أو مصري؛ فما الذي صنع هذا القائل لمصر أو سوريا؟ ألا إن البلاد لا تعرف الناس بأسمائهم وطبيعة الإقليم لا تميز بين أناسها وحيواناتها؛ فمن الحمير والبغال وصنوف الحيوان ما يقال فيه سوري ومصري أيضاً. ولكن الأوطان تعرف أهلها بأعمالهم؛ وطبقة الفرق بين الإنسان والحيوان إنما هي طبقة تاريخه لا غير
قولوا في الشرقي على العموم إنه من بني آدم فقط. ومتى وجدتم رجل المبدأ الذي يظهر مبدأه في عمله والذي لا يعمل إلا ليتم تاريخ أمته، وليكون صفحة من كتاب مستقبلها، والذي لا يخرج من الدنيا حتى يترك من فضائله المنسوبة إليه شخصاً معنوناً يسمى باسمه، ويلقب بلقبه، ويؤرخ بتأريخه؛ متى وجدتم هذا الرجل، فقولوا فيه حينئذ، بل دعوا بلاده تقول: إنه مصري أو سوري. من أكبر عيوبنا أننا لا نعرف الخلق العام الذي يجانس بين أفراد كل أمة، ولا نجده إلا في أفراد قليلين منا، وهو الذي تقوم عليه الوطنية. ومن أجل ذلك، ليست لنا أمة اجتماعية، ومن أجل ذلك لا نتحد. فقدنا الخلق العام أو المبدأ الاجتماعي الذي يرمي لإنشاء المستقبل، وترقية الحاضر، وحفظ الماضي، فصارت الصلة بين الفرد والفرد من الأمة الواحدة، صلة لفظية لا معنى لها. أو لستم ترون أننا - كما هو مشهور عنا - يرائي بعضنا بعضاً حتى في الحق، ويجامل بعضنا بعضاً حتى في الواجب. وليس منا من يقدر أن يقول دائماً للباطل (لا) وللحق (نعم)؟ أقول (دائماً)، ولا أريد معناها الصحيح، لأن قيمة كل شيء تعلو وتنزل عندنا بحسب الأحوال حتى الكلمات التي لا تعلو ولا تنزل. فإن شئتم، فاعتبروا معنى قولي (دائماً) غالباً أو بعض الأحيان لأن الشرقي قد فقد الخلق الثابت، فلا ثبات له على شيء، ولا ثبات بشيء معه. ولولا أن أسماء الفضائل من اللغة، وأن هذه اللغة ثابتة في كتبها التي تحفظها، لكانت أكثر أسماء الفضائل اليوم عندنا هي نفس أسماء الرذائل!