في سنة ١٩٢٤ تفضل الدكتور منصور بك فهمي فوصلني بالمؤرخ الكبير أحمد باشا شفيق، وكانت مهمتي أن أدون مذكرات شفيق باشا بأسلوب مقبول. ثم جاء رمضان فدعاني الباشا لطعام الفطور مع جماعة منهم الكاتب العظيم محمد بك المويلحي، فكيف رأيت المويلحي؟
كان يلبس الردنجوت من غير موجب، وقد قضى الوقت كله في صمت، فصح عندي أن أدبه لا يخلو من تزييف
وفي صبيحة اليوم التالي واجهت أحمد باشا شفيق برأي في محمد بك المويلحي، فسكت لحظة ثم قال: هل تعرف كيف يعيش هذا الرجل وكان ابن ذوات؟
- كيف يعيش؟
- أتجهل كيف يعيش؟
- وهل أعلم الغيب؟
- إن محمد بك المويلحي يقضي الأيام والأعوام وليس له زاد غير الخبز والملح والماء، فهو أعظم من داوى الفقر بالتجمل في هذا الزمان
- أيعيش المويلحي هذا العيش؟
- هو غني افتقر، ولا تصلح هذه الهامة العالية لاستجداء الناس، ولو كانوا من الأمراء والملوك
الأديب المضطهد لنسبه وغناه
نشأ محمد المويلحي نشأة المياسير، فكان من حقه أن يستكبر على الناس كما يستكبر من يكون في مثل غناه، ولكن سليقته الأدبية فرضت عليه أن يدرس جميع الطبقات الاجتماعية بلا تفريق بين المرتفعين والمتضعين، فكان يغشى أماكن السوقية كما يغشى أماكن الأمراء
وفي ذات ليلة تطاول عليه سفيه في إحدى الحانات فضربه كفاً، كالذي يقع في أماكن الشبهات والظنون
فكيف كانت العواقب؟
أقام السخفاء من أدباء مصر موسماً سموه (عام الكف) عليهم غضبات صاحب الجبروت.