ومن العجب العاجب، والسخف الساخف، أن يكون شاعرنا إسماعيل باشا صبري أحد المشتركين في الشماتة بالأستاذ محمد المويلحي مع أنه مدح الشيخ أحمد الزين!
فيا بني آدم من أهل هذه البلاد، متى تعقلون؟
متى؟ ثم متى؟
عصارة الشدائد
تصدر عني من وقت إلى وقت آراء في غاية من الغرابة والشذوذ في نظر الناس، ثم تجئ الشواهد التي تؤكد أني لم أكن من المخطئين
ومن آرائي الشاذة في نظر الناس قولي بأن الأديب الغني أقدر على فهم الحياة من الأديب الفقير، وأشد إدراكاً لما في الحياة من مكاره وصعاب
وكان ذلك رأيي لأني أومن بأن الأغنياء تقع في حياتهم تعقيدات لا يعرفها الفقراء، وما يسيغ ذهني فكرة القول بأن الفقير يدرك معنى البؤس على الوجه الصحيح، لأن الفقر عصمة من مواجهة (الخطوب الثقال)، وقد نعرف بعد حين أن الفقراء هم الأغنياء
أقول هذا وقد صح عندي أن براعة المويلحي في كتابه أخذت مددها الأصيل من اضطلاعه بمتاعب الحياة في وقت مبكر، مع الاعتراف بأنه كان لا يزال في رعاية أبيه، ولم يكن عرف طعم القوت الدائم بالخبز والملح والماء
ومن حظ الأدب أن المويلحي لم يؤجل تسطير ملاحظاته إلى أن يشرب الصبابة من كأس البؤس، فما يستطيع بائس معدم أن يتبين ما يريد أن يقول
كان المويلحي في عافية حين سطر تلك الأحاديث، ثم عم الغم وطم، فآثر الانعزال إلى آخر الزمان
لم يعرف الأدباء الفارغون من أصحاب الجرائد الهزلية أن الأديب الحق لا يتوقد خاطره في كل حين، ولم يفهموا أن البلبل لا يغرد إلا وهو جذلان، فعدوا سكوت المويلحي بعد موت أبيه دليلاً على أن أدبه من ضروب الأدب المنحول، ولو عقلوا لفهموا أن الرجل أصابته بموت أبيه كوارث معاشيه تزلزل رواسي الجبال
إلى من يتوجه المويلحي وقد عادى جميع الطبقات باسم الأدب والبيان؟
وهل كان خصماؤه قبل عشرين سنة إلا كتبة مأجورين يأكلون النار طائعين أو كارهين؟