لكي يدرس عن كثب الثقافة العربية واللهجات العربية، تلك الفرصة التي انتهزها كلها. وبعد أن عاد إلى إنجلترا بقليل عين أستاذاً للغة العربية في كامبردج، وقسم عمله عدة سنين بين العمل الأكاديمي والعمل الصحافي، وأصدر بضعة كتب مهمة. وفي سنة ١٨٨٢، زار مصر مرة أخرى، وقام برحلة جريئة على ظهور الخيل في شبه جزيرة سيناء، وهي تلك المنطقة التي يعرفها جيداً من رحلاته السابقة. وقد أصبح ركوب (الشيخ عبد الله) في الصحراء يذكر الآن كما تذكر الأساطير، وكانت خاتمته فاجعة، فقد كان ذلك الوقت زمن اضطرابات في الشرق الأدنى؛ ولذلك كانت الأسفار فيه أكثر من مخاطرة اعتيادية، فقتله قطاع الطرق من البدو في عودته من رحلته في الصحراء، وانبتت تلك الحياة الحافلة عن عمر مبكر يناهز٤٢ عاماً
ربما كان (بالمر) فريداً بين المستشرقين الأوربيين باعتبار أنه لم يقتصر على اكتساب المعلومات الأكاديمية للغة العربية فحسب، بل تعمق في روح الأمة العربية ولغتها. وكان من القليلين من المستشرقين الأوربيين الذين كانوا يستطيعون الكتابة باللغات الأجنبية بطلاقة ودقة، وبعض كتاباته باللغة الأردية تقرأ في الهند كثيراً. ويعتبر وصفه بالأردية لزيارة الشاه الإيراني لإنكلترا من الخوالد. وكان يكتب وينظم بالعربية والفارسية كلتيهما. ومن الطريف ذكره في هذا المجال، أنه عندما كان يكتب إلى زملائه المستشرقين خطاباته الخاصة، يجد أنه لا يستطيع الأداء عما في نفسه بصورة محكمة باللغة الإنكليزية، فيندفع كاتباً بالعربية. وقد ذكر عنه أحد أصدقائه وزملائه ج. ف نيكول أستاذ اللغة العربية في أكسفورد ما يلي:(لقد كان (بالمر) غير مستقر في رسائله التي كان يكتبها بالإنكليزية، فكان ينفجر تحت تأثير احساسات طارئة، أو بقصد النقد ذاكراً بعض النثر أو النظم الفارسي أو العربي).
ويمكن اعتبار القطعة التالية نموذجاً لشعر بالمر العربي:
ليت شعري، هل كفى ما قد جرى ... مذ جرى ما قد كفى من مقلتي؟
قد برى أعظمُ حزن أعظمي ... وفنى جسميَ حاشا أصغري
وبالرغم من قصر عمر بالمر، فإنه خلف قائمة كبيرة من الكتب المطبوعة، نجتزئ بذكر المهم منها فيما يلي: