للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يرى في (الرحلة الثانية) شاهدا على أن الرحلتين ليستا لكاتب واحد، لأن الفرق بين الرحلة الأولى والرحلة الثانية بعيد بعيد

والحق أن الرحلة الثانية ضعيفة كل الضعف، بالقياس إلى الرحلة الأولى، ولكن ما سبب ذلك الضعف، مع تقارب الأسلوب في الرحلتين تقاربا يشهد بأن الكاتب هنا هو الكاتب هناك؟

يرجع السبب إلى أن المويلحي لم يعرف من أوربا غير فرنسا، ولم يعرف من فرنسا غير باريس، ولم يعرف من باريس غير ظواهر سطحية لا تقلقل الخاطر، ولا تبلبل الوجدان، فكيف جاز أن يدعي القدرة على تصوير المدنية الغربية؟

المويلحي لا يعرف باريس، وان زار باريس، ولو أنه عرف تلك المدينة في حياتها الحقيقية (كما عرف القاهرة في حياتها الحقيقية) لقال فيها كلاما غير الذي قال، ولكان من الجائز أن يفردها بكتاب يشرح ما تعاني من اصطراع المذاهب والآراء، فقد زار باريس وهي في عنفوان الفتوة، وفي اتصال وثيق بأمم الغرب والشرق، ومع هذا لم يستطع أن يدون حيواتها غير بوارق مهددة بالخمود

بدا لي أن أعرف ما ألف عن الحي اللاتيني، فجمعت نحو ثلاثين كتابا، منها كتاب يصور ما يعاني طلبة السوربون من اليهود المربين

وبدا لي مرة ثانية أن أحصي المكتبات القائمة بالحي اللاتيني وهو مهد الفكر الحر، فهالي أن أجد فيه مكتبة لا تبيع مؤلفات رينان بحجة أنه زنديق

وبدا لي مرة ثالثة أن أعرف إلى أي مدى تتصل باريس بأساطير الأولين فجمعت من ذلك أشياء وأشياء. . . فأين المويلحي من ذلك التعقيد العنيف؟

وخلاصة القول أن إخفاق المويلحي في تصوير الحياة الباريسية يرجع إلى أنه لم يعان فيها مشكلات تزلزل العقل أو تثير الوجدان، فجاء حديثه عن تلك الحياة أضعف وأضعف من أن يسامي حديثه الأول في وصف الحياة المصرية. . . والأدب يأخذ قوته من التجارب والمشاهدات، لا من الحدس والتخمين. وكذب من ادعوا أن الأدب أوهام وظنون

ومن الواجب أن نسجل أن المويلحي نظر إلى المدنية الغربية بالعين الشرقية، فلم يحاول إبراز ما فيها من خصائص إيجابية، كما حاول إبراز ما فيها من خصائص سلبية. وهو مع

<<  <  ج:
ص:  >  >>