فليس المقصود بالتعليم العالمي أن يجور على المصالح الوطنية، وإنما المقصود به أن يبطل النزعات التي تجور على مصلحة العالم بأسره أو مصالح الأمم الأخرى في تعاونها على السلم والحضارة.
فالوطنية والعالمية لا تتناقضان، لأن خدمة العالم بأسره لن تضير وطناً من الأوطان، ولاسيما الأوطان التي لا تملك القوة ولا تتذرع بها أن ملكتها إلى الطغيان على الآخرين.
وقد رأينا بعض المفكرين الداعين إلى التآلف بين الشعوب على أساس العالمية أو أساس الحكومات المشتركة ينزعون إلى التشكيك في عناصر الوطنية لأنها شيء يصعب التعريف به وفهم معناه، فإذا قيل مثلاً إنها قائمة على الوحدة الجغرافية فالفاصل بين الأرض الفرنسية والأرض الجرمانية فاصل اتفاقي من معظم نواحيه، وإذا قيل إنها الوحدة الجنسية فليس في الأرض أمة تخلو من مزيج الأجناس، وإذا قيل إنها الوحدة اللغوية فليس باللازم أن تقترن المشاركة في الوطن الواحد والمشاركة في اللغة الواحدة، وإذا قيل إنها وحدة الدين فقد تجتمع في الأرض الواحدة عدة أديان وعدة مذاهب من دين واحد، وإذا قيل إنها وحدة الحكومة فقد يخضع الناس لحكومة واحدة مكرهين مستعبدين، وإذا قيل إنها التراث التاريخي فهذا ولاشك من أقوى عناصر القومية ولكنه لا يخلقها ولا يمنع التفاهم بين أصحاب التراث المختلف على حكم واحد أو صلة حكومية متكافلة.
إلى آخر ما يقول أولئك المفكرون الداعون إلى التآلف العالمي وهم مخطئون فيما نراه
وقد ناقشنا هذا الرأي في موقف كموقفنا الحاضر منذ سنين فقلنا: (إن كلاماً كهذا يمكن أن يساق لإضعاف المزايا الإنسانية وتقريب الفوارق بين الإنسان والحيوان، ثم هو لا يفضي إلى نتيجة ولا يدل على معنى مستقيم. . . قد تقول مثلاً ما هي معالم الإنسانية التي تفرق بين الإنسان والحيوان؟ أهي اللغة؟ كلا! فإن أناساً كثيرين يولدون بكما لا ينطقون ولا يعقلون. أهي أعضاء الأجسام؟ كلا! فإنه ما من عضو في إنسان إلا يقابله عضو مثله أو يقوم مقامه في حيوان: أهي انتصاب القامة؟ كلا! فإن بعض الأحياء تمشي على قدمين وبعض الناس يزحفون على الأربع. أهي عناصر الدم؟ كلا! فإن التحليل قد يكشف فرقاً بين دم الرجل ودم المرأة وبين دم الشيخ ودم الصبي وكلهم من بني الإنسان؛ وزد على هذا أن الدم ليس بمزية الإنسانية العليا، فإن أناساً في ذروة العظمة قد يرجح عليهم في نقاوة