فأسرعت إلى نهيهم عن هذا التشكي، وأفهمتهم أن للجامعة رسالة غير رسالة القوت، وأن مبدأنا أن نجوع لتشبع الأمة، وأن نتعب لتستريح. . . وهل تعرفنا الجامعة إن صرنا طلاب أموال، لا عشاق آمال؟
وسمع خريجو الجامعة صوتاً لم يسمعوه من قبل، فدعوني لأشرح لهم رأيي، فقلت: إني لا أثق إلا بمن يحلفون على المصحف، فقالوا: إن اليمين لا تطلب إلا من المرتابين، وسترى كيف نصدق بدون يمين
كان ذلك في يوم جمعة من شهر رمضان، فهل تكون الأقدار أرادت أن توقظ المعاني الروحية في أنفس الجامعيين، بلمحة كريمة من لمحات شهر الصيام عن الآثام؟
أؤكد لكم أني لم أكن أنتظر أن يتقبل أولئك الشبان هذا الصوت بمثل ذلك القبول، فقد ابتلتهم الأيام بعصر منحرف عن المعاني. وهل فينا من ينكر أن الموظف الذي يزيد مرتبه عن زميله خمسة قروش يعتقد إنه أرقى من ذلك الزميل؟
البحث عن الدرجات المالية ليس من عيوب الفكرة الجامعية، ولكنه من عيوب الحياة الديوانية. وسيذكر أبناء الجامعة واجبهم، سيذكرون أن إنشاء الجامعة كان في الأصل غضبة على سياسة التعليم للتوظيف، وصاحب الوظيف وصيف، كما يقول أهل تونس الخضراء
ما الذي يوجب أن يبحث الشاب المتخرج في كلية التجارة أو كلية الزراعة عن وظيفة كتابية؟
إن هذه الظاهرة تشهد بأن بعض الكليات تعجز من رياضة أبنائها على الإيمان بما تخصصوا فيه، إيماناً يجعلهم أقطاباً فيما تخصصوا فيه، ويفرض عليهم أن يعينوا الدولة على تحقيق ما تريد من كرائم الأغراض
إني أتمنى أن يقترب اليوم الذي تفرض فيه الدولة على خريجي الجامعة ضرائب فكرية، اليوم الذي يقال فيه إن خريجي الجامعة يملكون ثروات لا يملكها أصحاب الملايين، وإن من الواجب أن تفرض عليهم الضرائب، لتستطيع الدولة أن تقيم أود المنكوبين بالزهد في كرائم المعاني
يجب أن يكون من أغراض الجامعيين أن يطمئنوا الدولة على أن أملها فيهم لم يضع ولن