للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويرى الشاعر أن الأرض والسماء لا تبيدان إلا برجفة (القيامة)، أما (قيامة) مصر فهي جفاف النيل الذي خاطبه الشاعر فقال:

من أي عهد في القُرى تتدفق ... وبأي كف في المدائن تُغدقُ

ومن السماء نزلت أم فُجرت من ... عُليا الجِنان جداولاًتترقرق

وبأيِّ عينٍ أم بأيَّة مُزنةٍ ... أم أي طوفانٍ تفيض وتفهق

وبأي نَول أنت ناسجُ بردةٍ ... للضَّفتين جديدُها لا يخلق

تسودُّ ديباجاً إذا فارقتها ... فإذا حضرت اخضوضر الإستبرق

في كل آونةٍ تبدِّل صِبغةً ... عجباً وأنت الصابغ المتأِّنقُ

أتت الدهور عليك مهدُك مترعٌ ... وحياضك الشُّرقُ الشهية دُفق

تَسقى وتُطعم لا إناؤك ضائقٌ ... بالواردين ولا خِوانك يَنفَق

والماءُ تسكبه فيسَبك عسجداً ... والأرض تغرقها فيحيا المغرَق

ونظر الشاعر فرأى الوثنية المصرية تأمر بعبادة النيل، فشاء له الأدب أن يوجه تلك العبادة توجيهاً يرفع عنها أصر الشرك بواجب الوجود:

دينُ الأوائل فيك دينُ مُروءةٍ ... لم لا يُؤَّله من يَقوت ويرزُق

لو أن مخلوقاً يُؤَّله لم تكن ... لسواك مرتبة الألوهة تخلَق

جعلوا الهوى لك والوقار عبادة ... إن العبادة خشيةٌ وتعلُّق

ثم نظر الشاعر فرأى أن المصريين القدماء كانوا يهتمون ببناء القبور أضعاف ما يهتمون ببناء البيوت، فاتخذ من ذلك دليلا على حبهم للخلود:

بلغوا الحقيقة من حياة عِلمُها ... حُجُبٌ مكثَّفة وسرٌّ مغلق

وتبينوا معنى الوجود فلم يروا ... دون الخلود سعادةً تتحقَّقُ

يبنون للدنيا كما تبني لهم ... خرباً غرابُ البين فيها ينعق

فقصورهم كوخٌ وبيت بداوةٍ ... وقبورهم صرحٌ أشمُّ وجوسق

ولم يفكر الشاعر في تفنيد خرافة (عروس النيل) وإنما جعلها حقيقة شعرية حين قال:

ونجيبةٍ بين الطفولة والصبا ... عذراء تشربها القلوب وتعلَق

كان الزفاف إليك غاية حظها ... والحظ إن بلغ النهاية موبِقُ

<<  <  ج:
ص:  >  >>