بسواء. وقد بنى الأستاذ إنكاره ما رأيت من ذلك على سبب غريب، هو أن المسلمين على عهد الرسول كانوا يتلقون القرآن منه سماعاً، ويطوون صدورهم عليه حفظاً وفهماً، دون ما حاجة منهم إلى النظر في شيء من آياته مخطوطاً، فهذا بلا شك أمر غريب لا يتفق مع المعروف عن المسلمين في ذلك العهد، فإن جمهورهم لم يكن يأخذ نفسه بحفظ القرآن، وكان القليل منهم يحفظ منه السورة أو السورتين، وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحفظ القرآن كله منهم إلا عدد لا يكاد يتجاوز عدد الأصابع
أما كتابة القرآن وقراءته فكان فيهما إذن عام من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هناك إذن في كتابة الحديث لئلا يشتبه بالقرآن، فكانت كتابة القرآن وقراءته في ذلك العهد منتشرة بين المسلمين، وإذا كان كثير منهم لا يحفظه فإنه بلا شك تعتريه تلك الصعوبة في بعض الكلمات، ومن هذا يجيء التيسير في قراءتها على ما تحتمله من الوجوه
أما حمل مثل هذه القراءات على التصحيف فأمر لا يصح أن يقال وخصوصاً مع وجود هذا المحمل السائغ، وهو محمل يمكن أن يشمله ما ورد من نزول القرآن على سبعة أحرف، لأن هذه القراءات ورد كثير منها في قراءات سبعية متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير منها روي عن بعض أصحاب النبي رضوان الله عليهم ولا تقتصر روايته على حماد وأمثاله
عبد المتعال الصعيدي
حول اختلاف القراءات
رداً على كلمة الأستاذ عبد المتعال الصعيدي المنشورة في العدد ٤٨٨ من مجلة الرسالة بعنوان (سبب مجهول من أسباب اختلاف القراءات) أقول: إن القراءات التي تعد أبعاضاً للقرآن يشترط فيها موافقتها للرسم المتواتر عن الصحابة، وتواتر سماعها، وموافقتها للعربية. فالمدار في كون القراءة بعضاً من القرآن على تواتر سماعها من النبي صلى الله عليه وسلم على أنها قرآن مبلغ عن الله تعالى. فقراءة (فتثبتوا) وقراءة (فتبينوا) قراءتان متواترتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناهما واحد، لا أن الخط يحتملهما فقرأها فريق على أحد الاحتمالين، وفريق على الاحتمال الاخر، فإنكار أحدهما إنكار لبعض