كان شوقي يكره أن يقول إن شبابه إلى أفول، وإن جاوز الستين، ثم شاء شيطانه أن ينقله إلى (زحلة) وطن الرحيق، ومعه المحامي فكري أباظة والموسيقار محمد عبد الوهاب. وفي لحظة من لحظات الصراع بين العيون والقلوب هان عليه أن يبكي الشباب الذاهب فيقول:
شيعتُ أحلامي بقلبٍ باكِ ... ولممت من طُرُق الملاح شباكي
ورجعتُ أدراجَ الشباب ووَردهُ ... أمشي مكانهما على الأشواك
وبجانبي واهٍ كأن خفوقه ... لما تلفت جهشة المتباكي
شاكي السلاح إذا خلا بضلوعه ... فإذا أهيبَ به فليس بشاكي
قد راعه أني طويت حبائلي ... من بَعد طول تناولٍ وفكاك
ويح ابن جنبي، كل غاية لذة ... بعد الشباب عزيزة الإدراك
لم تبق منا يا فؤاد بقية ... لفتوّة أو فضلةٌ لِعراك
كنا إذا صَفقتَ نستبقُ الهوى ... ونَشُدّ شدَّ العُصبة الفُتّاك
واليومَ تبعثُ في حين تهزّني ... ما يبعث الناقوس في النُّسّاك
وكان الرأي أن تُلقى هذه القصيدة في حفلة أعدها أهل زحلة لتكريم شوقي، وكان الأستاذ فكري أباظة هو الأثير عند شوقي حينذاك في إلقاء شعره البليغ، فاعترض الموسيقار عبد الوهاب قائلاً إن هذه القصيدة للغناء، وليست للإلقاء، ثم صدح بصوته الرنان:
يا جارة الوادي طربت وعادني ... ما يشبه الأحلام من ذكراك
مثّلتُ في الذكرى هواك وفي الكرى ... والذكريات صدى السنين الحاكي
لم أدر ما طيبُ العناق على الهوى ... حتى ترفّقَ ساعدي فطواك
لا أمس من عمر الزمان ولا غدٌ ... جُمِع الزمان فكان يوم لقاك
وفي هذه القصيدة يقول شوقي على عادته في التخوف من محجب الغيوب:
لبنان ردَّتني إليك من النوى ... أقدار سير للحياة دِرَاكِ
نمشي عليها فوق كل فجاءةٍ ... كالطير فوق مكامن الإشراك
مصرع شوقي
في مكتبة الدكتور طه بك حسين ظرف مختوم كتب عليه: (مصرع شوقي) فما الذي يحتويه ذلك الظرف المختوم؟