في إحدى العصريات من صيف سنة ١٩٢٥ أو سنة ١٩٢٦ حدثني الدكتور طه حسين أن شوقي أسفّ أبشع الإسفاف بقصيدة نشرتها جريدة المقطم عن هوى شوقي في لبنان
وأعترف أني كنت أرى ما يرى الدكتور طه في تلك القصيدة يومذاك، فقد نشرت في المقطم على أسوأ حال من التحريف
ثم دارت الأيام وعرفنا إنها أجود مما كنا نتوهم، وأنها في كل خاطر وعلى كل لسان في لبنان
ثم دارت الأيام مرة ثانية فعرفنا أن الأريحية اللبنانية سمحت بأن يكثر من يقولون إن شوقي عناهم بذلك القصيد، القصيد الذي يهتف:
وأغرَّ أكحلَ من مَها (بكْفَّية) ... عَلِقَتْ محاجرُه دمى وعَلِقْتُه
لُبنانُ دارتُهُ وفيه كِناسهُ ... بين القنا الخطاّر خُطّ نَحيتُهُ
السلسبيلُ من الجداول وِردهُ ... والآسُ من خُضْر الخمائل قوتُه
دخلَ الكنيسة فارتقبت فلم يُطل ... فأتيت دون طريقه فزحمتُه
فازورَّ غضبانا وأعرض نافراً ... حالٌ من الغِيد الملاح عرفتُهُ
فصرفت تلعابي إلى أترابه ... وزعمتُهنّ لبانتي فأغرتُه
فمشى إليَّ وليس أول جؤذر ... وقعت عليه حبائلي فقنصته
قد جاء من سحر الجفون فصادني ... وأتيت من سِحر البيان فصدته
لما ظفرت به، على حَرَم الهدى ... لابن البَتُول وللصلاة وهبتُه
إلى آخر القصيد
شعور شوقي بالوجود
بين قصائد شوقي في سورية ولبنان وقصائده في البلاد التركية والفرنسية آماد طوال، ومع هذا نجد أن إحساسه بالوجود على اختلاف الأزمان غاية في القوة والبريق
وهل ننسى أن الجرائد المصرية لم تجد عند مصرع باريس في الحرب الحاضرة غير ما توجع به شوقي لباريس في الحرب الماضية؟
ولقد أقول وأدمعي منهلَّةٌ ... باريسُ لم يعرفك من يغزُوكِ
زعموك دار خلاعةٍ ومجانةٍ ... ودعارةٍ، يا إفكَ ما زعموكِ