الروح للرحمن جلّ جلالهُ ... هي من ضغائن علمه وغيابه
غلبوا على أعصابهم فتوهموا ... أوهام مغلوبٍ على أعصابه
بين حافظ وشوقي
كان التنافس بين حافظ وشوقي قد وصل إلى أبعد الحدود، وزاد في خطر ذلك التنافس أن حافظا كان رجلا عذب الروح، وكانت له مع الصحفيين صلات يؤرث بها أحقادهم على شوقي حين يشاء
وما أذكر غلبة شوقي على حافظ إلا تعجبت. فقد كان حافظ غاية في الذكاء واللوذعية، وكان علمه بتاريخ العرب وآدابهم علما يفوق الوصف، وكان فهمه لدقائق الحياة المصرية أعجوبة الأعاجيب، فكيف تفوق عليه شوقي وكان رجلا يدل مظهره وحديثه على إنه فرد من سواد الناس لا يمتاز بعبقرية ولا نبوغ؟
أكاد أجزم بأن (شهوة الحديث) هي التي أضعفت شاعرية حافظ، فقد كان كثير الحديث، وبالحديث وصل إلى ألوف القلوب، وبالحديث ضاع، لأن الحديث يأخذ من القوى النفسية طاقات لا تصلح بعدها للغناء
لو أن أحاديث حافظ دونت لكان فيها ثروة فكرية تفوق ما ترك شوقي من الثروة الشعرية، ولكان من الممكن أن يعد من أقطاب التاريخ الأدبي في هذا الباب، ولكن هذا الزمن لا تتسع تقاليده الأدبية لمثل ما كانت تحرص عليه عناية القدماء في أمثال هذه الشؤون
أما شوقي فكان يؤثر الصمت ليحتفظ بالمدخر من قواه النفسية، وليلقى الناس بالقصيد لا بالحديث، فظفرت جهوده بالخلود.
كان حافظ يحدث من يلقاه بإطناب وإسهاب، فلا يقتضي اليوم إلا وهو متهالك من فرط الإعياء، وكان شوقي يهرب من الناس حين يشرع في النظم، فلا تراه إلا هائماً على وجهه من طريق إلى طريق، وفي حال تنذر بالجنون
كان حافظ يطيل محاورتي حين كنت موظفا بدار الكتب المصرية في سنة ١٩٢٥، فبدا للمرحوم أحمد نسيم أن يدلني على أحد مقاتله النفسية، فحدثني أن أعظم ما يغيظ حافظاً أن تخبره أنك رأيت شوقي ينتقل من ترام إلى ترام وفي يده سيجارة وعلى وجهه أمارات الذهول.