للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سنة من ذلك التاريخ، حين عاد من منفاه، وحين تفضل عبد اللطيف بك الصوفاني فجمع بيننا في حفلة عشاء بالدار التي أجهل ما صنعت بها الأيام!

هالني أن أرى شوقي الذي كان أمير الشعراء قبل أن تواجه عيناي نور الوجود قد احتفظ من أطلال صباه بنونتين تزينان خديه عند الابتسام، وأي ابتسام؟

وأقول بصراحة إني لم أر وجهاً أجمل من وجه شوقي، ولا روحاً الطف من روح شوقي

ولكن هذا الجمال الجسدي والروحي كانت له غدرات، منها حسب التفرد بالسيطرة والاستعلاء. . . وهنا بيت القصيد!

كان شوقي يحب أن يكون وحده شاعر القصر في عهد عباس. وقد تسبب للقصر في متاعب، فقد دخل لورد كرومر على الخديو عباس وهو غضبان، وحجته أنه علم أن أحمد شوقي وعلي فهمي كامل يدبران أموراً لا يجوز عليها السكوت، والخديو عنهما مسؤول مسؤول. وما أحب أن أزيد!

هل كان شوقي الذي يحارب إنجلترا في السر يهادن خصومه من الشعراء؟

وهل كان يسمح بأن يكون لخصومه ومنافسيه في قلب الخديو مكان؟

ارجعوا إلى ما كتب فضيلة الشيخ عبد القادر المغربي في مجلة الرسالة منذ سنين لتروا كيف استطاع شوقي أن يمنع كرم الخديو عباس عن الشيخ عبد المحسن الكاظمي، ثم ابحثوا بعد ذلك عن السر في عطف الشيخ محمد عبده على الشيخ الكاظمي، فأنا أفترض أن الفتور بين الخديو والمفتي كان له أثر في تقوية ذلك العطف الرفيق.

صيدان حافظ

لم يستطع حافظ مجاراة شوقي في الحياة الرسمية، فانحاز إلى ميدان الوطنية، وصار بعد قليل شاعر الشعب، الشاعر الأول المحبوب، وكان الاتجاه الشعبي صريحاً في مقاومة الاحتلال، وصريحاً في تقوية الأواصر الإسلامية، فكان لحافظ قصيدة في كل مناسبة وطنية، وقصيدة في كل مناسبة دينية. ولم يفته أن يتغنى في أشعاره بأكثر أمم الشرق، ولا سيما اليابان، وما كانت اليابان أقرب إلينا في الوجوه والأفكار من إيطاليا أو فرنسا، ولا كانت لنا باليابان صلات أدبية أو اقتصادية، وإنما كانت اليابان في الاصطلاح الجغرافي أمة شرقية، وكان المهم هو إفهام الشعب أن الشرق يستطيع مجاراة الغرب في جميع

<<  <  ج:
ص:  >  >>