كنت في ذلك العهد موظفاً بدار الكتب المصرية، وكان حافظ يشرف على القسم الذي أعمل فيه إشرافاً روحياً، فكان يدعوني كل يوم إلى سماع ما جد من القصيدة الجديدة، وكان يصرح بأنها الختام لحياته الشعرية، وأنه لن ينظم بعدها أي بيت
كان الخاطر جميلاً، ومن البر بحافظ أن نسجل ذلك الخاطر الجميل
الجامعة المصرية الحديثة في قصر الزعفران، وقصر الزعفران يجاوره (عين شمس) وفي (عين الشمس) كانت الجامعة المصرية القديمة التي تخرج فيها فلاسفة اليونان
وعلى هذا الوتر غنى حافظ وأجاد الغناء
ولكن الأقدار أرادت غير ما أراد حافظ، فثارت مشكلة حول قصر الزعفران، مشكلة قوى غبارها سعد باشا زغلول وهو رئيس مجلس النواب
قصر الزعفران من قصور إسماعيل، وهو يوم ذاك من أملاك الخاصة الملكية، فما الذي تقدم الحكومة من أملاك الدولة في المبادلة بذلك القصر الخاص؟
كانت الحكومة ترى أن تقدم حديقة الأرمان لتجعل منها الخاصة الملكية (مربط خيل)، فرأى فريق من رجال - الأمة أن هذا البدل غير مستساغ، وأن الأفضل أن تكون مباني الجامعة في حدائق الأرمان
وبهذا ضاعت قصيدة حافظ، وتهشم خاطره الجميل!
فأين قصيدة قصر الزعفران؟ أين أين؟؟
قسمها حافظ إلى مقطوعات باختلاف ما دارت عليه من الموضوعات، ونشرت له جريدة البلاغ في الصفحة الأولى من صفحات سنة ١٩٢٦ مقطوعة بعنوان (بني وطني)!
يرحمك الله يا حافظ، فقد حالفك الشقاء إلى آخر الزمان!
ثم ماذا؟
ثم كانت القصيدة التي ألقيت في الاحتفال بافتتاح الجامعة المصرية بعد أن قرت بحدائق الأورمان قصيدة شوقي لا قصيدة حافظ، ولهذه الشؤون تواريخ يضيق عنها هذا الحديث
أما بعد فقد يرى قوم أن هذا كلام لا يفيد، وهل اتفقنا على المراد من الكلام المفيد؟
احفظوا هذا الكلام المفيد؟
احفظوا هذا الكلام، فينفع يوم تفكرون في تأريخ الأدب لهذا الجيل