ولكن هكذا كل شاب تعرض للعاطفة الغرامية منذ كان الإنسان كما نعرفه الآن إلى آخر الزمان
كل شاب يفاجأ هذه المفاجأة، فلا غرابة إذن في وقوعها ولا في ملازمتها لمطلع الشبيبة في ريعانها لأن هذا الواقع المتكرر الذي لا يصدمنا بغير ما عهدناه
إلا أنني لا أريد أن أكتفي بدفع هذا اللبس الذي لا يحتاج إلى مناقشة طويلة، فقد يغني في دفعه نقل الكلمة التي وقع عليها الاستدراك ثم الوقوف عند نقلها بغير تعقيب
وإنما أردت أن أتجاوز هذا اللبس العارض إلى الأساس الذي يقوم على كل لبس من هذا القبيل، وهو من جنايات اللغة أو من جنايات (التسمية) حيث كانت فيما أراه
تطلق اللغة كلمة واحدة على عاطفة أو شعور أو حالة نفسية تلم بجميع الناس، فيسبق إلى الوهم أننا أمام شيء واحد لأننا نعبر عنه بكلمة واحدة، ويطرأ التناقض واللبس والاستغراب من هذا الوهم الذي يصعب التنبه إليه في كثير من الأحيان
(فالحب) مثلاً كلمة واحدة بل كلمة واحدة مختصرة في حروف ثلاثة خفيفة على كل لسان
فهل هي شيء واحد مختصر هذا الاختصار، مجموع في هذه الحروف، سريع إلى الفهم كسرعة اللسان في النطق بحروف اسمه الصغير؟
أجهل الناس بالشعور الإنساني لا يقول (نعم) في جواب هذا السؤال
فالحب يتناول مئات من الأشياء التي لا تحدها أسماؤها لاختلافها هي أيضاً في الصفات والعوارض والعلاقات والمناسبات
الحب يتناول الغريزة النوعية، ويتناول ذوق الجمال، ويتناول الشعور الاجتماعي الذي يدعو إلى التآلف ويقال في تعليله إن الإنسان مدني بطبعه، ويتناول فهم الميول الإنسانية والإيمان بأخلاق الوفاء والصدق والمجاملة، ويتناول التقارب بالعقول والمدارك والنزاعات، ولا توجد في الإنسان واشجه من وشائج النفس والجسد لا تتناولها هذه الكلمة ذات الثلاثة الحروف
ثم ما هي الغريزة النوعية التي هي جزء مما تنتظم في الحب من بعض نواحيه؟
هي أيضاً شيء كثير الشعب كثير الأطوار كثير الأوصاف على حسب الأمزجة والأعمار