هينة، لأن القدرة على تصيد مثل هذه الألفاظ الشاردة، وردها إلى حظيرة الاستعمال اللغوي بعد أن طال عهدها، لا تتوافر لكل باحث لغوي، ولا تتهيأ لكل منقطع إلى المطالعة. وإنما هناك نفوس طبعت على تذوق المعاني، فلا تكاد تبدهها الجمل منثورة هنا وهناك، حتى تضع يدها على الألفاظ السهلة التي صيغت فيها المعاني الكبيرة؛ فإذا ما قصدت إلي الكتابة بادرت إليها تلك الألفاظ طائعة مختارة، فترد على قلمها وكأنها جديدة ما عرفت النور من قبل!
من ذلك ما ورد في مقال أستاذنا الأب أنستاس ماري الكرملي الأخير (الرسالة ١١: ٤٩٧) في العبارة التالية: (ونحن نورد لك نموذجاً مما قال، وقد عثرنا عليه نَبَهاً) إذ نجد في هذه العبارة كلمة سهلة سلسة، قلما تدور على أقلام كتابنا، على الرغم من أنها تعبر عن معنىً زعم قوم أنه لا سبيل إلى التعبير عنه إلا بالخروج على اللغة! ومعنى كلمة (نَبَه) - كما جاء في المخصص لابن سيده، ج١٣ ص٧٣ - (الضالة توجد عن غفلة؛ وجدته نبهاً أي من غير طلب، وأضللته نبهاً أي لم أدر متى ضَلّ. . .) وقد وردت هذه الكلمة في بيت لذي الرمُة، يصف فيه ظبياً قد انحنى في نومه، وهو قوله:
كأنه دُمْلُج من فِضّة نَبَهٍ ... في مَلْعب من عَذارى الحيّ مفصوم
وجاء في لسان العرب:(النَبَهُ الضالة توجد عن غفلة لا عن طلب، يقال وجدت الضالة نبهاً من غير طلب، وأضللته نبهاً لم تعلم متى ضل. وقول ذي الرمة كأنه دملج من فضة نَبَه وضعه في غير موضعه، كان ينبغي له أن يقول كأنه دملج فُقِدَ نَبَهاً. . .)
والذي عندي أن قولنا: عثرت على الشيء نبهاً، قول يؤدي معنى الوقوف على الشيء من غير طلب، خاصته وقد جاءت كلمة (نَبَه) فأكدت معنى الالتقاء الذي يفيده (العثور على الشيء). فعسى أن يلقى هذا التعبير موافقة وقبولاً.
(مصر الجديدة)
زكريا إبراهيم
إلى الأستاذ محمود عزت عرفة
نسبت إليَّ أيها الأستاذ أني زعمت أن الرسول عليه الصلوات كان ممن يبدلون في القرآن