إلى مطارحة الأحاديث في الأندية والبيوت والقهوات
فما سياسيات حافظ في عهده الأول؟
كان يشارك الجمهور المصري في مقاومة الاحتلال بعبارات هي الغاية في صدق الوطنية، ولكنه كان يقول كلاماً نَعدُّه اليوم من الكفر بالوطنية، فقد كان يطالب المحتلين بإصلاح البلاد، ويدعوهم إلى التحرز في اختيار الوزراء. . . أليس هو الذي يقول في مخاطبة السير جورست:
إذا ما شئت فاستوزر علينا ... فتىً كالفضل أو كابن العميد
ولا تُثْقِل مطاه بمستشارٍ ... يحيد به عن القصد الحميد
ولم يفت حافظاً أن يدعو جورست إلى إنشاء الجامعة المصرية فيقول:
وأسعدْنا بجامعةٍ وشيّدْ ... لنا من مجد دولتك المشيد
وإن أنعمتَ بالإصلاح فابدأ ... بتلك فإنها بيت القصيد
وقد أخطأ شارحو الديوان حين قالوا إن الجامعة المصرية لم تكن أُنشِئت بعدُ، فقصيدة حافظ في استقبال جورست نُشرت في وقت كانت فيه الأمة استعدت بقوتها الذاتية إلى إنشاء الجامعة المصرية، كما يشهد التاريخ الذي سنسطره بعد حين.
عبقرية حافظ في مقاومة الاحتلال
لن نعفر لحافظ أنه استنصر بجورست فقال:
تَداركْ أمةٍ بالشرق أمست ... على الأيام عاثرة الجدودِ
وأيِّدْ مصر والسودان واغنمْ ... ثناَء القوم من بيضٍ وسود
فهذا كلامٌ لا تقوله اليوم، ولن نقوله بعد اليوم، لأنه كلامُ لا يقاوم له ميزان
ولكنّ حافظاً له عبقرية في مقاومة الاحتلال لم نجدها عند غريمه شوقي، فما تلك العبقرية؟
إنها تتمثل في البيت الطريف:
لقد كان فينا الظلم فوضى فهُذِّبتْ ... حواشيه حتى بات ظُلماً منظّما
وتتمثل في الأبيات التي نص فيها على تدريس العلوم باللغة الإنجليزية في المدارس الثانوية إضراراً باللغة العربية، وتتمثل في قصائده في وصف مأساة دنشواي، وهي مأساة لم تغب فجائعها عن الإنجليز أنفسهم، فسمعوا صوت الزعيم الوطني (مصطفى كامل)،