للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اثر للحياة القوية العاقلة المفكرة في مظاهرها، وإنما هي أداة ممثلة لا اكثر ولا اقل. تعمل مع أدوات ممثلة لا اكثر ولا اقل. وكانت لصاحبي بقية من قوة في النفس، وفضل من حياة في الضمير، واثر من حزم في الإرادة، وقليل من ذلك الترف العقلي الذي كان يستمتع به أيام كان الناس ناسا، وحين كانت الحياة حياة، فاكبر ما انتهت إليه أموره وأمور أصحابه من هذه الصفة التي يجحد فيها الرجل نفسه ولا يؤمن فيها إلا بغيره. اكبر ذلك وضاق به وازمع ان يعتزل هذه البيئة التي لا يستطيع ان يكون فيها إلا أداة مسخرة. ولكنه اعتزلها ولم يعتزلها، قر في داره وعاش بين أهله، لم يسع إلى أحده ولم يفكر في لقاء أحد، وكان يظن ان هذه العزلة ستغنيه وتحميه وترد إليه نفسه بريئة من النفاق معصومة من الفساد. ولكنه لم يلبث ان استيقن انه لم يصنع شيئا. فهو يعتزل الناس ولكن الناس لا يعتزلونه، يعرض عنهم فيقبلون عليه، يقعد عنهم فيسعون إليه، يكف عنهم حياءوه لهم وإشفاقه عليهم فيحملون إليه حياءهم منه، وإشفاقهم منه، ويغلون في ذلك يحسبون انهم يخدعونه عن انفسهم، أو يحسبون انهم يخدعون انفسهم عن انفسهم. فلما استيأس صاحبي من نفع هذه العزلة، واستيقن له انه لا امل له في ان يظفر بنفسه صافية وقلبه طاهرا، وضميره حيا، إلا ان ترك البيئة كلها وهاجر من ارض إلى ارض، وارتحل عن وطن إلى وطن، اسر ذلك في نفسه واظهر لنا معشر أصدقائه المخادعين له ولانفسنا مثل ما كان يظهر من حسن اللقاء ولطف المؤانسة حين كنا نزوره ونجلس إليه. ثم سعيت إليه ذات يوم لاقضي معه ساعة من ساعات الفراغ، وما اكثر ساعات الفراغ في حياتنا نحن المصريين فلم اجده، وسألت اين يمكن ان يكون فلم ادلل عليه. وسألت متى يمكن ان يعود لم انبأ بشىء. فعدت محزونا لا لأنني لم القه، بل لاني لم الق عليه ثقل ما كنت احتمل من الضجر والضيق والفراغ، ولاني لم الق في نفسه اني اوثره بالحب، واعتقد انه يؤثرني به. لاني لم اهد إليه شيئا من هذا الرياء الذي يهديه بعضنا إلى بعض في كل يوم، لم اتلق منه شيئا من هذا الرياء الذي يتلقاه بعضنا من بعض في كل يوم، رجعت محزونا لان الأداة لم تؤد بعض ما كانت يجب ان تؤدى من التمثيل. وعدت إلى صاحبي التمسه فلم اجده، واخذ أصحابنا يلتمسونه فلا يجدونه وكلهم شعر بمثل ما شعرت به، وكلهم يتحدث إلى نفسه بمثل ما تحدثت به إلى نفسي من الحزن وخيبة الامل، وقليل منهم يتحدث إلى الناس بمثل ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>