للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٩٣٧ عن خمسة وعشرين عاماً استطاع في أثنائها على قلتها أن يسمعنا أغاريد مشجية من الشعر السوداني الحديث!

وقد قام الوجيه السوادني المعروف الأستاذ علي البرير بطبع ديوان المرحوم التيجاني (إشراقة) على نفقته الخاصة وأهداه إلى روح ناظمه، وصدره بكلمة للأستاذ الكبير محمد محمود جلال عن قصته مع الشاعر، وكلمة للدكتور زكي مبارك عن الروحانية السودانية، وسيوزع ريع الديوان على ذوي الشاعر ومواطنيه. وقد ظهر فيما يقرب من ١٠٠ صفحة، ويحوي قصائد جيدة للشاعر في الوجدانيات والإخوانيات والوطنيات والتصوف والرثاء الوصف وغير ذلك. وشعر التيجاني يمتاز بعمق الفكرة ورصانة الأسلوب والإحاطة بالموضوع والافتنان في المعاني، ولا تتسع كلمة عابرة كهذه لتفصيل القول في ذلك. . .

ونحن ننتظر أن يلقي الديوان ما هو جدير به من الإقبال، وأن يعني بدراسته والكتابة عنه أدباؤنا، فهو أصدق صورة للشعر الحديث في القطر الشقيق!

أحمد الشرباصي

البكاء بعين واحدة

كنت وما زلت معجباً بأبيات الصَّمَّة بن عبد الله القشيري التي يقول في مطلعها:

حننت إلى ريا، ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعبا كما معاً

وكنت أقف عند هذا البيت الذي يقول فيه:

بكت عيني اليسرى فلما زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معاً

فأعجب كيف اتفق لهذا الشاعر أن يبكي بعين واحدة، ثم يعود فيبكي بكلنا عينيه؟! وكنت أتساءل: هل يتفق هذا لكل الناس أم أنها حال خاصة لا تخضع لقانون ثابت، ولا تجري على سنة مطردة؟. . . وأخذت أفكر فخطر لي أن هذا الشاعر قد يكون أعور، فيتصور منه البكاء بعين واحدة، وبدا لي هذا الخاطر معقولاً لولا اعتراض قام بالذهن، هو أن كون الشاعر أعور إنما هو محض افتراض لا يقوم على أساس، ولا ينهض على دليل. هذا من جهة، ومن جهة أخرى هل يمكن أن تدمع العين العوراء حتى يتصور بكاء الأعور بكلتا عينيه؟ وأخذت أبحث عما يدفع هذا الاعتراض، ويصحح ذاك الافتراض، وأخيراً وقفت

<<  <  ج:
ص:  >  >>