للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما تخريب إفريقية الشمالية في القرن الخامس فلم يكن إلا بأمر الخليفة الفاطمي. ثم من هم العرب الذين فعلوا ذلك؟ إنهم بدو أعراب لم يتكلفوا تربية ولا نظاماً. ولنا شاهد من تأسيس حضارة العرب في فارس والشام وأسبانيا وإفريقية. ثم يقول: إن العرب ليسوا أهلاً لتأسيس الدولة إلا من طريق أثر ديني قوي، وإنهم يجهلون سياسة الملك مع أنهم قبضوا على ناحية الحكم في الدولة الإسلامية في العصور الوسطى والحديثة وكانوا أقدر وأعدل وأمهر؛ فقد هيئوا للشعوب المغلوبة أسباب التقدم العقلي المادي. ويقول: إنهم يبالغون في احتقار العلوم والفنون مستنداً إلى أن معظم العلماء فرس وموال. ولكن أيغيب عن ذهنه أن هؤلاء البدو فرضوا دينهم ولغتهم على دولتي الفرس والروم؟ اللهم إنها العصبية المغربية تغلبت عليه!

ابن خلدون والنقد الحديث

يصف الأوربيون ابن خلدون بأنه (مونتسكيو) العرب. وقد ترجمت مقدمته ونظرياته إلى اللغات الحية. وفي منتصف القرن التاسع عشر عني النقد الأوربي بابن خلدون ونظرياته الاجتماعية عناية خاصة، وكان أعجب ما في هذا الاستكشاف أن يظفر الغربيون في تراث هذا المفكر المسلم بكثير من النظريات الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية التي لم يطرقها البحث الغربي. وقد ردد (مكيافللي) المؤرخ السياسي الإيطالي الذي ظهر بعد وفاة ابن خلدون بأكثر من قرن كثيراً من نظرياته وآرائه كما رددها (مونتسكيو) المشرع الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي و (آدم سميث) الفيلسوف الاقتصادي وغيرهم، ولأبن خلدون فضل السبق في هذه الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفلسفية والتاريخية.

ويعتبر كتاب (الأمير) (مكيافللي) كمقدمة ابن خلدون. على أن ابن خلدون أغزر مادة وأوسع أفقاً من (مكيافللي) ذلك لأن مؤرخنا اتخذ من المجتمع كله وما يعرض فيه من الظواهر مادة أساسية لدرسه معللاً لها على ضوء التأريخ. أما (مكيافللي) فيدرس الدولة فقط أو يدرس أنواعاً معينة من التأريخ اليوناني أو الروماني القديم، أو التأريخ إيطاليا في عصره، أو يدرس شخصية الأمير أو الحاكم؛ وهذه الدراسة المحددة تقابل الفصل الثالث من مقدمة ابن خلدون وإن كان ابن خلدون يفوق (مكيافللي)، ويبتدع نظرية العصبية ونظرية أعمال الدولة وخواصها من الناحية الاجتماعية. ويمتاز (مكيا فللي) من جهة أخرى

<<  <  ج:
ص:  >  >>