للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بسلامة منطقه ودقة عرضه وتدليله وجمال أسلوبه؛ وهو في فلسفته هذه وصم آراءه ونظرياته بالصرامة والقسوة والخبث حتى كانت في عصرنا الحاضر مضرب المثل للسياسة الغادرة التي لا ضمير لها ولا وازع فتغاضت عن المثل العليا للإنسانية والخلقية؛ فالنفاق والشح، والضعة، والقسوة، والإرهاب، والختل، ونكث العهود، وإهدار الإخلاص، والصداقة، والأمانة، والدين والوفاء، كل أولئك تقوم عليه هذه السياسة (المكيافلليه) وهي عنوان السياسة العملية القوية الخاطفة التي نشاهدها في هذا العصر بين الأمم والأفراد

وقد اعتبر ابن خلدون مؤرخاً لحضارة الدولة الإسلامية، فتحدث عن النظم السياسية وأنوع الحكم والخطط العامة، كالقضاء، والشرطة، والإدارة، وتطورها في الدول الإسلامية كما تحدث عن النظم الاقتصادية والتجارية والمكوس والضرائب، وعن المهن الحرة والحرف والصناعات، ووجوه الكسب والمعاش ثم عن العلوم والفنون والآداب وتطورها في العالم الإسلامي، وإنما عالج هذه المسائل اعتقاداً منه أنها صور لهذا العمران، ومراحل الحضارة مقياس لمراحل العمران

وقد أثرت في آرائه العلمية مبادئ (أرسطو) و (أفلاطون) وبخاصة الجمهورية لأفلاطون كما أثرت في آرائه فلسفة فيثاغورس الأفلاطونية، وكما أثر فيها المسعودى أيما تأثير، وقد استطاع أن يقرر منذ خمسة قرون أصل السلطتين الروحية والزمنية كما يقررها أساتذة القانون السياسي والديني

ويمكن أن توصف فلسفته بأنها يغلب عليها التشاؤم والتطير، ولكن تشاؤمه تشاؤم رجل مستسلم غير مكترث، فهو لا يحكم وإنما يشاهد، وهو بذلك يدلل على ذهنية علمية. ويرى بعض المستشرقين أن مصدر هذا انحطاط الدولة الإسلامية وتأخر الحضارة في العصر الذي كتب فيه ابن خلدون مقدمته، وإلى الظروف السياسة التي تقلب فيها وعصفت به، وما أصابه في حياته في خويصة نفسه من ألم وخيبة أمل

وقد أوضح أهمية المال وبعد أثره في قوى الدولة الداخلية، وذكر كيف يقضي سوء الإدارة المالية والإسراف دائما على الدولة بالفناء

ومن رأيه أن تأسيس الدولة سابق على تأسيس هذه المدن، لأن الدولة وسيلة لتأسيس هذه المدن؛ فالقبيلة لا تستطيع ذلك قبل أن تتخذ شكل الدولة المنظمة تجتمع قوتها في الحكومة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>