في تلك اللحظة تذكرت سعادة الأستاذ طه الراوي، وهو غاية في كرم النفس وشرف الروح
. . . هل أكتب إليه بخبر فلانة وفلان؟
وأسرعت الدنيا فأثارت الحرب، وأمست أحاديث المحبين عبثاً في عبث، ومجوناً في مجون!
كانت الحرب هي (الحلوبة) الدنيوية لا العراقية، والعراق مظلوم في اتهامه بالشقاق، فتأريخه في أسوأ أحواله اهدأ من تأريخ الأمم التي تدعي الشوق إلى السلام والقرار والاطمئنان
حلوب العراق لا تدوم غير ساعات، أما حلوبة الغرب فلا تنقضي إلا بعد سنين
ما هذا الذي أرى؟ ما هذا؟ ما هذا؟
هذه أمطار وبرق ورعود!
لم يبق من تقليد مصر للغرب إلا أن تتشبه بجوه في هذا الهذر الممقوت!
وانظر فأرى صدري ينقبض حين يخف المطر لحظة أو لحظتين، وكان المظنون أن افرح بميل الجو إلى الاعتدال
ما السر في هذه النزعة الغربية؟ ما السر في الفرح بهطول الأمطار في بلاد أغناها النيل عن الغيث؟
لعل ذلك يرجع إلى أن (الإنسان الأول) يحتل صدورنا من حيث لا نعرف، وإلا فكيف جاز لأبنائي أن يقولوا إن هذا اليوم هو اظرف يوم؟
كان الماء من أسباب الوقاية عند القدماء، الوقاية من غارات السباع والوحوش، وكانت المياه سببا في انتصار المصريين في اعظم معركة من معارك الحروب الصليبية، وهي المعركة التي اشترك فيها النيل، فقد أحاط بالأعداء من كل جانب، وقضى عليهم بالخذلان.
وهنا أذكر حواراً دار فوق منبر الأزهر في أيام الثورة المصرية سنة ١٩١٩:
حضر الخطيب محمد بك أبو شادي ذات ليلة ليحدثنا عن الأخطار المخوفة من سيطرة الإنجليز على السودان، فقال فيما قال إن تلك السيطرة قد تكون سبباً في منع مياه النيل عن الأراضي المصرية
عند ذلك علت المنبر وقلت ينبغي أن نبحث عن أسباب منطقية لاحتفاظ مصر بالسودان.