تقولون، فلو عاشت الأمة بلا حكومة أسبوعاً أو أسبوعين لانتشرت الفوضى وعمّ الاضطراب وشاع الفساد
ولكني مع هذا أجزم بأن الحكومة لا تستطيع بأي حال رعاية أمة فقيرة في نواحي التماسك الذاتي والاجتماعي، فخضوع الأمم للشرائع والقوانين لا يكون خضوعاً شريفاً إلا إن صدر عن إرادة ذاتية مردّها إلى أدب الأحرار لا أدب العبيد
ونحن في مصر نفهم هذه المعاني، فوزير المعارف يعتمد على ضمائر المدرسين، ووزير العدل يعتمد على إيمان الناس بأدب المعاملات، وكذلك يقال في الأمور التي يعالجها سائر الوزراء
قد سمعتم أو قرأتم أن وزارة الوقاية وزارة وقتية تنتهي مهمتها بانتهاء الحرب، فما المستقبل الذي ينتظر وزارة الشؤون الاجتماعية؟ أنا أقدِّر أن مهمتها ستنتهي بعد أمدٍ قريب، يوم يفهم الشعب واجبه في الإصلاح الاجتماعي، ويوم يدرك أن احتياجه إلى عون الحكومة في تلك الشؤون ضربٌ من الفقر في الروح والوجدان
وهذا المستقبل لن يكون بعيداً كما نتخوف، فالشواهد تنطق بأن ضمير الأمة سيستيقظ بعد طول السبات، ولعله استيقظ بالفعل. ألا ترون أن الأمة تتسامى إلى أمور كانت قبل اليوم من تهويل الخيال؟
قبل أن تشب الحرب ويغلو الورق كان متوسط ما تخرج المطابع المصرية في كل يوم أثنى عشر مجلداً، وكان لصحافتنا المقام الثالث بعد الصحافة الإنجليزية والأمريكية، وكنا أول أمم الشرق في إحياء الذخائر العربية والإسلامية، وسيكون لنا بعد الحرب ميادين يعتز بها العقل والبيان
ومعنى هذا أن يقظة الذكاء المصري يقظة حقيقية، وأن تحليقاتنا في سموات الفكر والرأي لم تكن أضغاث أحلام، فكيف تستبعدون أن يستيقظ الضمير المصري فيغني الحكومة عن التعب في مداواة الأمراض الفردية والاجتماعية؟
إن تعادل الضمير والذكاء في مصر فستصبح الأمة المصرية أمة نموذجية، وستبدع في الأدب النفسي آيات لا نظائر لها ولا أمثال
إن أفضل الفروض في وصف الصلة بين الحاكمين والمحكومين هي أن تشَّبه بالصلة بين