سداً ذكر القرآن أنهم لم يستطيعوا أن يظهروه ولم يستطيعوا له نقبا
٢ - أن بلاد فارس تقع في جنوب آسيا، فحينما اتجه كورش منها إلى آسيا الصغرى وسوريا كان متجهاً إلى الشمال لا إلى الغرب كما جاء في القرآن عن ذي القرنين، ولا شك أن آسيا الصغرى وسوريا لا يمكن أن يقال عمن يصل إليهما إنه بلغ مغرب الشمس، لأنهما يقعان في قلب المعمور من نصف الكرة القديم، وإنما يمكن أن يقال ذلك فيمن بلغ في فتوحاته أوائل بلاد المغرب على الأقل
٣ - أن رؤيا دانيال ليس فيها إلا تمثيل دولة الفرس بكبش ذي قرنين، وتمثيل دولة اليونان بتيس ذي قرن واحد، وكما لا يقتضي تمثيل دولة اليونان بهذا التيس تلقيب ملوكهم بذي القرن الواحد، لا يقتضي تمثيل دولة الفرس بذلك الكبش تلقيب ملوكهم بذي القرنين
أما الاسكندر المقدوني فإنه كان يلقب بذي القرنين كما ذكره كثير من المؤرخين، ويؤيد هذا تلك الدنانير القديمة التي عثر عليها في عصرنا، وقد رسمت فيها صورة الإسكندر وعلى رأسه قرنا أمون. أما فتوحاته فقد اتجه فيها من اليونان إلى آسيا الصغرى، فحارب فيها دارا وهزمه، وسار بعد هذا إلى سوريا فمصر حتى وصل إلى واحة سيوة، وبذلك يمكن أن يقال إنه وصل إلى مغرب الشمس، لأنه وصل بذلك إلى بلاد المغرب، ثم عاد بعد ذلك متجهاً إلى الشرق فقتل دارا وفتح بلاد فارس وما وراءها حتى وصل إلى بلاد الترك، وهذا الفتح يتفق اتجاهه مع اتجاه الفتح المنسوب في القرآن لذي القرنين، وكذلك يتفق الفتحان في نهايتهما غرباً وشرقاً.
أما وثنية ملوك الفرس فهي واضحة وضوح الشمس، وقد كان أسيياج جد كورش لأمه وثنياً، وهو الذي دعا أرباغوس من حاشيته ليحضر ما يقدمه من قربان لآلهته شكراً لهم على سلامة كورش، فقدم لأرباغوس لحم ابنه مطبوخاً فأكله، وقد فعل معه هذا لأنه لم يقتل كورش حين سلمه إليه وليداً وأمره بقتله، وكذلك كان كورش وقمبيز وغيرهما من ملوك فارس، وقد كان بعضهم يؤمن مع ذلك بإله الإسرائيليين، فيكرمهم تبعاً لإيمانه به، ولكن هذا لا ينفي الوثنية عنه، لأنها لا تنتفي إلا بالإيمان بالله وحده.