قرأت في العدد ٢٢٢ من (الثقافة) كلمة للأستاذ الفاضل (قاف) تحت عنوان: الأدب المنحول؛ أورد خلالها قصة فحواها أن الرشيد سأل حماداً الرواية عن المقصود من قول زهير (دع ذا وعدَّ المدح في هرم)
فاصطنع حماد (بيتين) نسبهما إلى زهير، وزعم أنهما أول قصيدته وأنهما المشار إليهما بقوله: دع ذا. . . الخ
ثم أعاد الرشيد السؤال على الأصمعي للتثبت من صحة قول حماد فأجاب: بل هذا أول مقالة زهير، ولعله كان مشتغلاً بأمر في نفسه أو مع غيره حين بدا له أن ينشئ في مدح هرم؛ فكان أن قال (مبتدئاً غير منقطع مما كان فيه): دع ذا وعد المدح في هرم. إلى آخر ما قال
ونحن نسجل هنا أن الرواية بهذا الوضع دليل على غفلة حماد والأصمعي، وقلة تثبتهما من قصيدة زهير، إذ البيت المذكور وهو بتمامه:
دع ذا وعد المدحَ في هرِم ... خير البُداة وسيدِ الحْضر
يقع الرابع من قصيدة رائية لزهير يقول في مطلعها:
لمن الديار بُقنةِِ الحجر ... أقوينَ من حججٍ ومن شهْر؟
وهذه رواية الأعلم الشنتمريّ (٤١٠هـ - ٤٧٦هـ) وهو أشهر من جمع ديوان زهير وقام على شرحه
على أنه إن صحت إجابة الأصمعي كان معنى ذلك أن الأبيات الثلاثة الأولى - لا بيتين فقط - من نظم حماد الراوية دون زهير
ونحن لا نميل إلى الأخذ بهذا الرأي، لما نلحظه من شدة التواؤم بين الأبيات جميعاً؛ ثم لأن القصة نفسها تشير إلى أن حماداً جُوبه بمقالة الأصمعي فأقر بزلته واعتذر، وأذيع أمر ما كان منه في مربد البصرة، فلم يبق إذن مجال لرواج كذبته ونفاق أبياته المصطنعة على رواة شعر زهير وشارحي ديوانه ممن جاءوا بعد ذلك.