فكم من المصريين المثقفين - ولا نقول الجهلاء - كان يعرف ما ينبغي أن يعرف عن مسألة (التقسيم الجديد) في الولايات المتحدة؟
وكم منهم كان يعلم حقيقة العناصر التي أيدت هتلر في ميدان السياسة الألمانية؟ أو حقيقة العناصر التي أيدت فرانكو في ميدان السياسة الإسبانية؟ أو حقيقة الخلاف بين ستالين وتورتسكي وما يتصل به من خطط روسيا وعلاقتها بالشرقين الأقصى والأدنى؟
كم منهم يعلم ما وراء البضائع اليابانية المنشورة في أسواقنا من حبائل الاستعمار ومطامع الاستغلال؟
كم منهم كان يعرف زعماء الأمم على ما فرطوا عليه فيعرف ما يصنعونه وما يريدونه خليقاً أن يصنعوه أو يريدوه؟
إن الذين عرفوا ذلك لجد قليلين
وإن الذي أصابنا من جهل ذلك لجد عظيم
لأننا أخذنا بالحرب ولما نتبين من تياراتها كيف تتجه سفينة النجاة، وكيف تهب رياح الأخطار
فإذا أحببنا ألا تفاجئنا السلم مثل هذه المفاجأة، فعلى الذين بأيديهم أمر القراءة والطباعة أن يملئوا الأذهان بالمعارف والمعلومات التي تغني في استطلاع الأحوال والمقاصد بعد الحرب الحاضرة، إلى زمن طويل
ما الذي تريده هذه الأمة أو تلك؟
ما الذي يريده هذا الزعيم أو ذاك؟
وما الذي يخلص فيه؟ وما الذي يماذق فيه؟ وما الذي تواتيه عليه الأسباب الحاضرة؟ وما الذي يخشى أن يعرقله من الأسباب المنظورة؟
بعض ذلك غيب لا سبيل إلى استطلاعه
وبعض ذلك عيان مشهود أو في حكم العيان المشهود، من أخبار الأمم ودراسات المفكرين، وسوابق التاريخ، وضرورات الاجتماع و (الاقتصاد)
ولا يزال في الوقت متسع لاستدراك ما فات، ولا يزال الباب مفتوحاً لمن يلج فيه، ولا تزال الحاجة كل يوم في إلحاح ومزيد من الإلحاح