وأفردت الفصل الأخير من كتابها لذكر أخبار ولاة مصر العثمانيين وما بناه بعضهم من المساجد والمباني الأخرى، رغماً من حالة الاضطراب التي كانت سائدة في هذا العصر، والسياسة التي كانت تتبعها الدولة العثمانية في كثرة تغيير الولاة، لكي لا يتوفر لأحدهم الوقت لتقوية مركزه والاستقلال بالبلاد. وبينت في هذا الفصل كيف تأثر فن العمارة في مصر، بعد فترة انتقال قصيرة، بفن العمارة العثماني، وهذا هو السبب في أننا نجد بعض المساجد من هذا العصر مبنية على نسق جامع (أيا صوفيا) باستانبول في تخطيطه وبعض زخارفه. ومن أكبر مباني هذا العصر جوامع حاير بك وسليمان باشا والملكة صفية وغيرها وكذلك بيت جمال الدين الذهبي وبيت السحيمي، وأخيراً بيت الكريدلية الذي اتخذه اللواء جاير أندرسون باشا في السنوات الأخيرة مقراً لسكناه، وكون لنفسه فيه مجموعة كبيرة من التحف أهداها عند سفره إلى إنجلترا - للحكومة المصرية، لتبقى في هذا البيت كمتحف باسمه تابعاً لدار الآثار العربية
ولكن، يا سيدتي الفاضلة! إن هذا البلد الحبيب إليك له عليك حق آخر، وواجب أنت مدينة له به. وإني أتقدم إليك اليوم على صفحات (الرسالة) لأطلب منك أن تقومي بأداء هذا الواجب، فيحفظ لك هذا البلد الأمين ذكرى خالدة تبقى إلى جانب ما ألَّفت من كتب وأبحاث. لقد قضيت في مصر وقتاً هو بمثابة انتقال بين القديم والجديد، فهلا دوَّنت ذكرياتك ومشاهداتك وتجاريبك، لتبقى لمؤرخي هذا العصر يجدون فيها رأياً حراً لشخص أجنبي جاء إلى هذا البلد وأحبَّه وعاش فيه وساهم في نهضته الوطنية والثقافية؟ لقد عشت حوالي أربعين سنة في مصر، كنت في خلالها على صلة وثيقة بكبراء البلاد وعظمائها ومن وفدوا عليها من رجالات البلاد الأخرى، وكنت موضع احترام الكبير والصغير. وهذه - كما تعلمين - حقبة من الزمن طويلة في تاريخ مصر الحديث، لا شك أنك تتبعت في أثنائها حوادث النهضة الوطنية التي كان لها أكبر الأثر في تغيير مجرى التاريخ. ثم شاهدت عصر النهضة الثقافية في عهد المغفور له الملك فؤاد الأول، وما كان له من أياد كريمة في نشر الثقافة والعلوم وإنشاء المعاهد المختلفة في أنحاء البلاد. وهاأنت ذا تحضرين عهد ابنه الملك المفدَّى (فاروق الأول) حفظه الله، وتشاهدين أعمال الإنشاء والإصلاح والتجديد